في المشهد العام لا يبدو أن التناقضات العربية يمكن ان تؤدي إلى حلول واضحة تسهل انعقاد القمة العربية، لكن مشكلة القمة تبدو مستعصية ليس لمكان انعقادها في دمشق، بل أيضا لطبيعة القمم العربية منذ ان أصبحت دورية، فلقاء القادة العرب في دمشق لم يعد يشكل صورة لاجتماع يصدر بيانا ختاميا، إنما أصبح شكلا خاصا لآليات الضغط السياسي.

بالطبع فإن المسألة لا تتعلق بمقرارات القمة المقبلة، لأنها في الغالب تفتقر لآليات سياسية، كما أن سقف "المطلب" السياسي العربي لم يعد يزعج أحدا، لكن التلويح بـ"القمة" أصبح يحمل أكثر من ملمح للتكوين الاستراتيجي للمنطقة على الأخص بعد احتلال العراق، فهذه اللقاءات العربية تكون مسبوقة بتحرك دبلوماسي باتجاه العواصم الدولية، في إشارات لحساسية المواضيع التي ستطرح بها، وبالتالي معرفة المناخ السياسي الدولي الذي ستنعقد به القمة.

وإذا كانت القمم العربية السابقة تكشف الخلافات العربية – العربية، فإنها ومنذ بداية القرن الحالي بدأت تعبر عن التحول الاستراتيجي تجاه الشرق الأوسط عموما، وبالطبع فإن ما يحدث اليوم يعبر بشكل واضح عن أن الخط الاستراتيجي بين دمشق وواشنطن لم يعد يستوعب العواصم العربية الأخرى، مثل الرياض والقاهرة، بل يشكل ظاهرة مستقلة لها مكوناتها الخاصة، وقادرة على التأثير في مراكز القرار العربي.

علميا فإن العلاقات السورية – الأمريكية لم تكن على توافق خلال المراحل السابقة، لكنها في المقابل خضعت لاعتبارات دبلوماسية تشكلت في مرحلة الحرب الباردة، وكان على الإدارات الأمريكية انتظار أكثر من عشر سنوات حتى تأخذ القرار بتغير "التعامل" الاستراتيجي مع سورية، في تلك الفترة كان الشرق الأوسط يخضع لعلميات الانهيار التلقائي، حيث ساد اعتقاد أمريكي، وفق بعض التقارير، بأن التحولات السياسية ربما تحدث نتيجة غياب قيادات المرحلة السابقة، لكن عمليات "الشخصنة" التي تمارسها الساسة الأمريكية أحيانا لم تكن دقيقة، وهو ما استدعى صياغة جديدة بدأت بشكل متسارع مع احتلال العراق.

خطورة ما حدث هو في انعكاسه المباشر على العلاقات العربية – العربية، فالفصل الاستراتيجي الذي قامت به الولايات المتحدة، سرعان ما أنتج افتراقا لم تشهده المراحل السابقة، وربما أوجد جدارا أمام أي توافق ولو بالمسائل الجزئية، وانعكست الحروب غير المعلنة على سورية في مواقف الأطراف العربية، وأكثر من ذلك فإنها انتقلت إلى وسائل الإعلام التي تعتبر نفسها "غير رسمية" لكنها بالتأكيد "غير مستقلة".

المشكلة اليوم هي في الخط الاستراتيجي بين واشنطن ودمشق والذي خرجت منه الرياض التي لعبت أدوارا مختلفة فيه سابقا، ليس على صعيد التوافق، بل خلق توازن داخل التناقض ما بين الإدارة الأمريكية ودمشق وعلى الأخص في مراحل الأزمات، مثل دخول المارينز إلى لبنان، أو حتى مسألة "اتفاق الطائف"، فالمصالح الأمريكية في المنطقة كانت تجد لنفسها بوابات تتعامل معها في زمن الأزمات، لكن على ما يبدو بعد احتلال العراق لم تعد واشنطن بحاجة لهذا الواقع، إنما لـ"خط" دفاعي لاستراتيجيتها التي لم تستقر بعد.

الخط الاستراتيجي بين دمشق وواشنطن اليوم الذي يصفه بـ"الانقطاع" لم يعد يستوعب البعد الإقليمي السابق، فهو نقطة مواجهة مباشرة تحاول الإدارة الأمريكية أن تضع دول المنطقة خلفها، بعد ان أصبحت داخل المنطقة وتقود حربا مباشرة في العراق اليوم، و "معارك مخفية" في لبنان لا تستهدف اللبنانيين بل ربما تطال المنطقة برمتها.