التعامل مع القمة العربية يعكس عمق الأزمة التي يعيشها النظام العربي، فالموضوع الأساسي الذي يشهد التجاذب وإن كان مرتبطا بمسألة الرئاسة اللبنانية، لكنه في العمق يرتبط في تفكيك الاستراتيجية العربية التي بنيت أساسا على مسألة الصراع العربي الإسرائيلي.

منذ مؤتمر بلودان عام 1946 وحتى اليوم تشكلت القمم العربية على أساس الخطر "الصهيوني"، وكان الصراع مع "الدولة العبرية" هو العمق الخاص لمعظم لقاءات القادة العرب، فلا يخلو مؤتمر من توصيات وقرارات بهذا الخصوص. لكن ما حدث بعد عام 1982 هو دخول مسألة التسوية على خط التعامل مع النظام العربي، فكانت آخر قمة في فاس تحمل "مبادرة" الملك الراحل خالد، وبدأ "السلام" يشكل هاجس التعامل العربي – العربي.

عمليا فإن الدخول إلى موضوع السلام كان يشكل إخفاقا استراتيجيا لأن هذا الانتقال كان يحمل:

 بوادر حسن نية من قبل "النظام العربي" تجاه "إسرائيل". لكن "حسن النية" كانت مبينة على مساحة من الحرب القائمة داخل لبنان، فتوقيت السلام العربي كان خاطئا فهو ظهر في لحظة "نشوة" إسرائيلية باحتلال بيروت، وباعتقاد ساد في تلك المرحلة بأن المقاومة انتهت. فالسلام لم يكن ليظهر لولا الحرب التي قادها شارون ضد لبنان وانتهت على المستوى السياسي مرحلة فلسطينية هامة، فهي حولت منظمة التحرير نحو "سمت استراتيجي" جديد.

 ترك النظام العربي داخل جملة من الأزمات، فعندما تم الانتقال نحو "السلام" كان هناك جملة أزمات مرافقة مثل الحرب العراقية – الإيرانية، ورغم أن هذه الحرب لم تندلع انطلاقا من الجبهات الكلاسيكية مع "الدولة العبرية"، إلا أنها كانت نتيجة مباشرة للتحول الاستراتيجي لطهران بعد سقوط الشاه... وربما علينا تذكر أن الدولة الوحيدة التي استقبلت الشاه هي مصر التي خرجت خلال مرحلة السادات من دائرة الصراع بعد اتفاقيات كامب ديفيد.

 تشكيل مساحة مبهمة من العلاقة مع "الدولة العبرية" لأن "المبادرة التي تم إطلاقها في مؤتمر فاس في المغرب كانت تقوم على "تسوية" غير واضحة، بمعنى أنها لم تنطلق من البحث في إغلاق ملف الصراع، أو تفكيكه أو قراءته على أساس الحقوق ثم البحث في "الواقع" الذي يمكن أن يتعامل معه "النظام العربي".

كل هذا التفاوت في تحولات القمة العربية أسقطت عبر الزمن مسؤولية البحث جديا في طيسعة النظام العربي وتبدل أولوياته، على الأخص أنه اليوم يشهد افتراقا في "المشروع السياسي" تجاه الشرق الأوسط. وهذا الافتراق لم يحد مسألة "أنظمة سياسية" كما كان يحدث في مرحلة الصراع ما بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والسعودية، بل تجاوزه اليوم إلى مساحات جديدة ليصبح الأمر اختراقا للثقافة الاجتماعية، فهناك صراع "على المكشوف" ينقله الإعلام دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة "الأمن الاجتماعي" بالدرجة الأولى، أو حتى ما يمكن أن تؤديه عمليات التكسير الثقافي التي يقوم بها السياسيون.