تبدأ مصر تحركا عربيا يهدف عبر المؤشرات الأولى إلى معالجة مسألة انعقاد القمة العربية، ورغم ندرة التصريحات الرسمية بشأن حضور قمة دمشق، لكنها على ما يبدو دخلت مرحلة حسم على مستوى "المعالجة السياسية" لكل المسائل العربية...

هناك "حملات إعلامية" تضعنا أمام مشهد سياسي لا يمنح القمة فرصة لتحليل الأزمات، لكن حقيقة ما يحدث على الساحة العربية لا يمكن تلخيصه بخلاف سعودي – سوري بشأن لبنان، علما أن لبنان كان "مجال اتفاق" بين الطرفين حتى بداية القرن الحالي، فدمشق والرياض كانتا قادرتين على إيجاد توازن خاص في التعامل مع "الأزمة اللبنانية"، لكن الواضح أن الإستراتيجية الدولية التي تبدلت كليا بشأن الشرق أوسط لم ترسم الخلاف السعودي – السوري، بل أيضا شكل جغرافية تناقض في النظر إلى معظم المسائل التي ينتظر النظام العربي حسمها في قمة دمشق.

عمليا فمن غير المتوقع أن يستطيع الرئيس حسني مبارك تحقيق خرق سياسي في مساحة الخلاف الموجودة، لكن هذا التحرك يحمل أكثر من مؤشر حول طبيعة المرحلة القادمة، فجولة الرئيس مبارك خليجية بالدرجة الأولى، كما أن القاهرة تدرك بأن الوقت يدخل المنطقة بمرحلة حساسة لا يمكن تجاوزها دون إيجاد مخرج حقيقي، على الأخص أن حسم الخلافات يمكن أن يساعد في الحد من الأحداث الدرامية في غزة، وهو امر جوهري بالنسبة للقاهرة.

وإذا كانت القاهرة والرياض حسب معظم التقارير متفقتان على الأجندة السياسية الخاصة بالقمة، لكن الترابط بين الأزمات التي يمكن أن تعالجها القمة مختلف بين البلدين، فمصر تدرك أن الموضوع اللبناني له تداعياته على "حصار غزة"، وبالتالي فإن الحلول المطروحة من قبل السعودية لا تشكل بالضرورة مخرجا للحل الفلسطيني الذي تتطلع له مصر.

وفق هذه الرؤية فإن المشاورات الجديدة ما بين القاهرة والرياض يمكن أن تشكل نقطة الخروج عن الصمت الرسمي بشأن مسألة القمة، لكنها في نفس الوقت توضح:

 أن قمة دمشق وحتى اللحظة لا تسير على أجندة عربية، فالواضح أن هناك أطرافا تنظر إليها على أنها "مكسب سوري"، وبالتالي لا بد من التعامل معه وفق نفس آليات الضغط السياسي التي مورست سابقا على دمشق.

 الزمن المتاح لانعقاد القمة بشروط عربية يبدو ضيقا، فهناك تسريع للأحداث في منطقة الخلاف الأساسية، ويمكن اعتبار التقارير التي يتم تسريبها إلى الإعلام على أنها صراع من نوع آخر حول الأولويات السياسية داخل النظام العربي. لكن الغريب هنا أن كافة التقارير تراهن على الزمن الخاص للمرحلة القادمة، أي إحداث تغيير إما على الساحة الإسرائيلية أو على الساحة الأمريكية.

 أخيرا فإن التحرك المصري الأخير يؤكد أن انعقاد القمة ليس أزمة بذاتها، بل مأزق الإستراتيجية الدولية هو الذي يدخل الأجندة العربية في مجال من الفوضى، وجولة الرئيس حسني مبارك ربما لن تكون لتأكيد أو نفي حضور مصر بقدر كونه إثبات بأن القمة العربية في دمشق دخلت مرحلة الحسم كعنوان خاص في التعامل السياسي مع كافة الأزمات.

جولة مبارك ليست تشاوريه بقدر كونها إضافة لثقل سياسي على الأزمة المتفاقمة أساسا بشأن أجندة انعقاد القمة لكنها في النهاية تعبر عن عمق أزمة النظام العربي في تعامله مع قضاياه التي كانت محسومة في السابق وهي تدخل اليوم مجال الشك.