ما الذي تعنيه الدبلوماسية المصرية بتأكيدها على "ضرورة توفير فرص النجاح للقمة العربية" التي ستعقد نهاية آذار المقبل ، وبإشارتها إلى أن الدولة المستضيفة للقمة لم تبذل ما يكفي من الجهد لضمان نجاحها ، مع التذكير بأن الوقت ما زال متاحا لتجاوز العقبات التي تحول دون عقد القمة أو إفشالها؟،

ليس من الصعب القول إن هناك من يريد تحويل عقد القمة في دمشق إلى سيف مسلط على عنق الدبلوماسية السورية بغية انتزاع تنازلات لا تطيقها في الملف اللبناني ، وربما في ملفات أخرى ، من بينها الملف الفلسطيني والعلاقة مع إيران.

يحدث ذلك في ظل توافق واضح بين القاهرة والرياض في شأن القمة ، ما يفرض على دمشق أن تدرك أن قمتها في مهب الريح ، إذ من دون حضور الدولتين ستغدو القمة أقرب إلى الفشل منها إلى النجاح ، الأمر الذي ينطبق بشكل من الأشكال على حضورهما بوفد متدني المستوى ، فكيف إذا تمكنا من تحريض العديد من الدول على عدم الحضور ، أو الاكتفاء بتمثيل متدني المستوى؟،

زيارة الرئيس المصري إلى الرياض هي تأكيد جديد على التوافق المصري السعودي على "ضرورات" إنجاح القمة ، ممثلة في تأمين انتخاب رئيس لبناني ضمن شروط معينة ترفضها قوى المعارضة ، مع العلم أن هذه الأخيرة قد تنازلت على نحو ما ، لكن قوى الموالاة ، وبدعم مصري سعودي هي التي مالت إلى التشدد.

ليس ثمة شك في أن القيادة السورية معنية إلى حد كبير بتنظيم قمة ناجحة تعيد الاعتبار للدور السوري في المعادلة العربية ، كما أنها معنية أيضاً باستعادة التوافق مع العاصمتين العربيتين الكبيرتين ، لكنها لن تشتري ذلك مقابل حضورها ودورها في لبنان ، فما دفعته حتى الآن لقاء دم الحريري يعد كافياً بمنطق السياسة ، وليس لديها القابلية لدفع المزيد ، حتى لو اضطرت في نهاية المطاف إلى تأجيل القمة كما فعلت تونس من قبل.

يشار هنا إلى أن التوضيحات التي اضطر إليها حسن نصرالله بعد أسبوع من اغتيال عماد مغنية هي في جوهرها مطلب سوري ، أعني التراجع من مقولة الثأر إلى مقولة الدفاع في مواجهة قرار الحرب الإسرائيلي ، مع العلم أن الرجل لم يقل في تشييع مغنية أنه سيرد ، بل علق الأمر بالقرار الإسرائيلي حين قال ، "تريدونها (ليس أردتموها) حرباً مفتوحة ، فلتكن حرباً مفتوحة".

حدث ذلك من أجل توفير أجواء أفضل للتوافق اللبناني ، وبالطبع على خلفية توفير الأجواء لنجاح القمة ، من دون تجاهل واقع أن حلفاء حزب الله في المعارضة قد شعروا بالحرج من موقف نصرالله الأول كما فهمته وسائل الإعلام. والحال أن الأزمة مع بعض المحاور العربية ليست متعلقة بالملف اللبناني وحده ، وإن يكن الأكثر تأثيراً من دون شك ، إذ أن الملف الفلسطيني له حضوره في السياق (المصري تحديداً) في ظل حاجة القاهرة إلى الضغط على حماس من أجل تجاوز مشكلة المعبر التي تحرج النظام في الأوساط الشعبية الداخلية والخارجية. الأكيد أن سوريا تعاني هذه الأيام من هبوط السقف العربي في التعاطي مع الملفات الأساسية في المنطقة ، مع أن الأصل هو توفر المزيد من التماسك في ظل الضعف الذي تعيشه إدارة بوش ، إلى جانب الأزمة السياسية في الدولة العبرية ، لكن الملفات الداخلية في الدول العربية ما زالت تؤثر جوهرياً على سواها من الملفات.

في ضوء ذلك كله ، تبدو القمة في مهب الريح ، من دون أن يعني ذلك حسم بفشلها ، فضلاً عن مجرد عقدها ، إذ ليس من المستبعد أن تبادر دمشق إلى عقدها بمن حضر ، معلنه بلسان الحال أن الغائبين هم من يتحملون وزر تعطيل العمل العربي المشترك.

مصادر
الدستور (الأردن)