قبل أربعة أسابيع على موعد القمة الدورية المقررة في دمشق، تثور تكهنات واسعة حول حجم ومدى المشاركة في هذه القمة، وهي التي تعقد للمرة الأولى في عاصمة الأمويين. والتحركات العربية باتجاه دمشق تنبىء بجهود لضمان عقد اللقاء في أجواء مريحة، على أن هذه الجهود ما زالت تصطدم بتباين واسع حول قضايا سياسية حساسة، وهو ما عبّر عنه ناطق سوري الخميس الماضي بأن القمة في دمشق سوف تعقد بمن حضر.

من المفهوم أن القمم تعقد لغايات منها تدارس المشكلات، والسعي لمعالجتها على مستوى القادة، وأن وجود هذه المشكلات لا يسوغ عدم عقدها او التغيب عنها. هذا رأي وجيه وصائب مبدئياً، غير أنه من الصحيح أيضا أن التحضيرات لكل قمة تقود إلى حصر المشكلات ووضع حلول لها، أي أن التوصل إلى حلول يسبق القمة ولا يتم في أثنائها.

ويعلم القاصي والداني أن التحضيرات المسبقة، تشمل كل شيء تقريباً بما في ذلك التوصيات والبيان الختامي، بحيث تقتصر كل قمة عملياً على إلقاء الكلمات وعقد لقاءات ثنائية بين القادة، إلا إذا وقعت مفاجآت خارج السياق. وبما أن المشكلات لم تلق طريقها إلى الحل بعد، فلسوف تلقي بظلالها على حظوظ القمة في الانعقاد وعلى مستوى المشاركة فيها كما ألمح وصرح غير مرة الرئيس المصري حسني مبارك وأمين عام الجامعة العربية الذي يقود مهمة شاقة للتقريب بين الفرقاء اللبنانيين على قاعدة اجتذابهم للقبول بالمبادرة العربية بشأن أزمة بلدهم التي طال العهد عليها.

من الملاحظ أن الخلافات تدور هذه المرة حول شؤون عربية وعلاقات بينية وليس حول تحديات خارجية. ليست هناك خلافات قوية حول القضية الفلسطينية مثلاً، وكانت سوريا الدولة المضيفة قد شاركت على سبيل المثال في محفل أنابولس خريف العام الماضي. وبالنسبة لإيران وملفها النووي فهناك اتصالات عربية وبالذات خليجية مع طهران، حول هذا الملف وسواه. وليس هناك أيضا من خلافات عربية حول العلاقات مع تركيا أو بشأن ملف دارفور أو الصحراء الغربية مثلاً.

الخلافات تدور أساساً حول الوضع في لبنان الدولة المؤسسة في الجامعة العربية. وهذا البلد يعيش أزمة غير مسبوقة فهو بلا رئيس منذ ثلاثة أشهر، ومجلسه النيابي معطل. ولا يكتم العديد من السياسيين اللبنانيين مخاوفهم من الأسوأ بتجدد النزاع الأهلي الذي طويت آخر صفحاته في اتفاق الطائف قبل تسعة عشر عاماً.

هناك انطباع قوي لدى العديد من أعضاء المجموعة العربية وبالذات في مصر والسعودية، بأن النفوذ السوري لدى قوى المعارضة اللبنانية هو ما يجعل الأزمة معلقة من دون حل. علاوة على سابقة إفشال مبادرة عربية جماعية، كانت سوريا طرفاً في التوصل إليها والموافقة عليها بشأن خطوات الحل في لبنان. دمشق تنفي قيامها بضغوط على حلفائها، وترفض ممارسة هذه الضغوط كما تبدى في غير تصريح رسمي، على أن تصريحات رسمية أخرى ذهبت إلى أن دمشق لن تقايض ضمان عقد القمة على أراضيها، مقابل التخلي عن مصالحها الحيوية. والمفهوم تبعاً لذلك أن هذه المصالح تتمثل في نفوذها الباقي بصور مختلفة، في البلد الجار والصغير لبنان. إضافة لعلاقتها الوثيقة بحركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ حزيران الماضي وتنازع السلطة الفلسطينية على الشرعية، كما يتبدى في الخلاف حول الإشراف من الجانب الفلسطيني على معبر رفح الحدودي مع مصر.

لم تنجح جهود مختلفة بذلها عدد من القادة العرب وغير العرب في حل هذه الأزمة. أما الفرقاء اللبنانيون فيتصرفون ما بينهم، وكأن كلاً منهم يمثل دولة قائمة مستقلة بذاتها، وليست هناك حاجة ضاغطة لمعالجة الخلافات مع دول الفرقاء الآخرين! وكان الانطباع خلال الأشهر القليلة الماضية، أن مصادفة انعقاد القمة في دمشق خلال العام الجاري، سوف تسهم في ترطيب الأجواء وتبريد الأزمة، وذلك لحاجة الدولة المضيفة لعقد قمة ناجحة على أراضيها، وبحضور أكبر عدد من القادة العرب.

المأمول أن تسفر جهود الأسابيع القليلة المتبقية عن حل لا ينقذ القمة فحسب، بل ينقذ قبل ذلك اللبنانيين من تفاقم أزمتهم السياسية، التي يهدد استمرارها بأوخم العواقب. ولا شك أنه تطور مؤسف وبالغ السلبية، أن يعجز العرب هذه المرة عن حل مشكلات بينية، علماً أنهم لم يصيبوا نجاحا لافتاً من قبل في مجابهة تحديات خارجية.

وبذلك فإن دورة الإخفاق تهدد بالاكتمال والإطباق على ما تبقى من آمال وتطلعات، لتوطيد مكانة وترجيح وزن الكتلة العربية على المسرحين الإقليمي والدولي، فإذا سارت الأزمة على هذا المنوال، وسواء عقدت قمة بمن حضر أم لم تعقد، فإن ذلك ينبىء بمسار جديد للنظام العربي، قد يعيدنا إلى حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي حين كانت تنشب حروب باردة، وتقوم الأطراف الإقليمية والدولية النافذة باستقطاب هذا الفريق أو ذاك مع ما يلزم من تأليب متبادل ومن صراعات مستترة ومكشوفة، يدفع الجميع أثمانها والفرق أن هناك دفعاً عاجلاً وآخر آجلاً.