الحرص العربي على لبنان بلغ مرحلة "حادة" أصبح من الصعب فيها تمييز المسائل السياسية أو تفكيكها داخل هذه الأزمة، ففي أوج حرب تموز فشل العرب في الاجتماع، بينما اليوم هناك بوادر لإفشال القمة إذا لم تنتهي أزمة الرئاسة اللبنانية، وبالطبع فإن أزمة الرئاسة لا تلخص المشكلة اللبنانية، لكنها عنون عريض ينضم إلى باقي ما طرح سابقا ابتداء من "الحقيقة" ثم "الاستقلال" وصولا إلى مرحلة ربما تبدو حاسمة إقليميا أكثر من كونها شأنا لبنانيا.

عمليا فإن ربط "القمة" بمشكلة "الرئاسة" في لبنان لم يأت من فراغ، فهناك انسحاب دولي من هذا الموضوع، وتركه إلى "النظام العربي" طالما أن هناك حدث ينتظر دمشق، فالمسألة التي يتم طرحها اليوم بشأن لبنان أشبعتها "المحافل الدولية" دراسة وعملا وربما وضعت أجندات لها، وعندما يتحدث الرئيس المصري حسن مبارك عن ان دمشق هي جزء من "المشكلة في لبنان" فهو محق في توصيفه وإنما بمنهج آخر لا يرتبط بالمساعي المصري ولا بجولته الخليجية بشأن القمة، لأن المعركة في لبنان بدأت بالفعل قبيل اغتيال رفيق الحريري، وعبرت عن تناقض استراتيجي بين ما هو قائم في المنطقة وبين الآلية التي اتبعتها الولايات المتحدة مع احتلال العراق.

صحيح أن الولايات المتحدة استطاعت في لحظات إنهاء "عملياتها العسكرية" بعد سقوط بغداد فرض واقع دولي، لكنها في نفس الوقت بدأت معركتها الإضافية في تطويع المنطقة مستندة لتواجدها القوي بعد الاحتلال. هذا الأمر جعل من لبنان بداية منطقية فيما أسمته واشنطن "تغيير السلوك السوري"... لكن الواقع يوضح أنها كانت تقوم بـ"حملة تأديبية" وربما تصفية حسابات سياسية عالقة منذ أوائل الثمانينات عندما كان الكسندر هيغ وزيرا لخارجيتها عام 1981.

هذا المنطق جعل سورية "جزءا من المشكلة" بعد أن كانت "ضرورة للحل"... واستخدام القمة اليوم للتعامل مع الأزمة اللبنانية مؤشر على أن القضية ليست مرتبطة بسياسة لبنانية معينة، بقدر كونها أيضا "تغيير للسلوك السوري" ولكنه اليوم بأدوات عربية.

كان باستطاعة بعض الدول العربية طرح قضايا حقيقية أمام دمشق لتتم مناقشتها حتى تنعقد القمة، وربما من أهمها "التفاوت الاستراتيجي" ما بين دول الشرق الأوسط، الذي رسم بشكل واضح مواقف سياسية متناقضة حتى من مسألة "إسرائيل". هذا الموضوع يفسر إلى حد كبير لماذا يتم طرح الملف اللبناني أو العلاقات السورية – الإيرانية كلما بدأ الحديث عن القمة، لأن الهروب من السؤال الأساسي محرج على الأخص بعد "دفن" المبادرة العربية... ومن تابع قمة الرياض يعرف تماما أن الخلاف على الاستمرار بالمبادرة العربية كانت نقطة أساسية في العلاقات العربية – العربية.

على ما يبدو أن انعقاد القمة لم يعد مهما على الأقل بالنسبة لاستراتيجية بعض الدول العربية، فهي قمة قبل أن تنعقد خلقت فرزا واضحا يحلو للبعض إطلاق مصطلحات عليه مثل دول "الاعتدال" و "الممانعة" لكنه في نهاية سعي لإحداث تغير في استيعابنا للواقع القائم كما هو بدلا من التعامل مع احتمالات المستقبل، ومع "البيئة" الجديدة التي ظهرت منذ حرب تموز فلم "تكشف" الدولة العبرية بقدر كشفها لافتراق النظام العربي تجاه مستقبله.