«تفاجأت بعد انتهائي من إمامة جمع من الناس، يزيد عددهم على 40 رجلاً لصلاة العشاء، فإذا بشخص يسبني بنعوت منها «العلماني» و «الضال الذي يتبعه الغاوون»، وأن الصلاة لا تجوز خلفي». تلك سطور من كتاب للروائي إبراهيم شحبي يضيء جانباً مسكوتاً عنه، ويعالج سيطرة الأحكام الجاهزة والمقولات المجانية وتوجيهها إلى شرائح بعينها، مثل الطلاب وسواهم.

يسرد المؤلف حكايته مع الاتهام بالعلمانية، مروراً برفعه شكوى قضائية ضد الشخص الذي اتهمه، وهي قضية أخذت مساحة كبيرة من اهتمام الصحافة الثقافية، وكانت موضوعاً لتعليقات الكتاب والمفكرين.

لا يعد كتاب «حكايتي مع العلمانية» مذكرات شخصية، أو سيرة ذاتية تخص شخصاً واحداً. إنه كتاب عن الجميع، إذ يتوقف عند مرحلة مهمة، لا تزال تبعاتها تتغلغل في مفاصل المجتمع في السعودية، مرحلة طبعتها الاتهامات وإلقاء التصنيفات جزافاً، من دون الشعور بالمسؤولية، ولا الوعي بأثرها المدمر في الشخص «المتهم» أو «المصنف».

ويقول شحبي إن حكايته مع العلمانية بدأت حين التحق بالجامعة، فرع أبها، إذ اتهمه بعض أساتذة الشريعة في جامعة «الإمام» بـ «الزندقة». وقال: «نقلوا العدوى باتهامنا بالزندقة إلى طلابهم، لأننا طلاب قسم العربية أقل منهم تديناً بحسب رأيهم، وسرت تلك العدوى بين شرائح الطلاب في السكن الجامعي، حتى أصبح التجسس على من لا يصلي الفجر في مسجد الإسكان من أولويات الطلاب الذين يعملون في الإشراف، وهم في جلّهم من طلاب الشريعة كعوض القرني وإبراهيم الدوسري وعايض القرني». ويمضي في سرد «حكايته» التي تصدر قريباً: «أما طلاب كلية التربية فقد كانوا ضالين... لأنّ عميدهم يصطحب زوجته أمام الناس ووجهها مكشوف، وهي كما يقال أميركيّة».

ويتطرق الكتاب إلى مواقف الكثير من المثقفين والكتاب السعوديين من قضية العلمانية، وإلى حضورها في الإعلام العربي والعالمي. ويحكي إبراهيم عن أول امرأة وعلاقتها بالمعلّم الوسيم وهداياه لقريبته التي اكتشفها مع أحد أصدقائه، مثلما يسرد حكاية غياب 65 يوماً بين حي «عليشة» و «الملز» في الرياض، مروراً برحلة الجزائر والصراعات الدموية لجبهة «الإنقاذ»، وعودته إلى السعودية.

ويعرج على قصة حضوره باللباس الفرنجي إلى المدرسة، وموقف مديرها ومعلميها وطلابها منه، وقصته مع حادثة صور الأعلام من المشايخ وبعض مجاهدي «الريث» من أبناء المحافظة.

كتاب «حكايتي مع العلمانية» يتميز بالتشويق، لمعرفة رحلة هذا المصطلح أو المفهوم، في دهاليز المجتمع السعودي ومنعطفاته، إلى جانب الكثير من التفاصيل اليومية في حياة القرى الجنوبية. ومن المتوقع أن يثير جدلاً ويُسيِّل حبراً كثيراً بسبب مواضيعه الساخنة.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)