في التاسع من أبريل عام 1983، في شارع فردان ببيروت، اغتال إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي، وهو متنكر في زي امرأة سمراء ومعه شريكه أمنون شاهاك الذي كان يضع شعرا أشقر مستعارا، كلا من كمال نجار وكمال عدوان وأبي يوسف، وهم ثلاثة من زعماء المقاومة الفلسطينية البارزين. لاحقا، اغتال إيهود باراك نفسه خالد اليزير وأبا جهاد، الرجل الثاني في فتح.

باراك وشركاؤه السفاحون يوجدون الآن في مناصب قيادية داخل إسرائيل، وهم أيضا يقولون: «إن العالم سيكون في حال أفضل» بعد أن تم التخلص من عماد مغنية. أما عالمهم هم فهو دولة سرقوها من شعب آخر، هو الشعب الفلسطيني.
بدورها، جعلت هذه الاغتيالات من أبي يوسف وكمال نجار وكمال عدوان وأبي جهاد، ليس فقط شهداء القضية الفلسطينية بل جعلتهم يعززون هذه المقاومة.

السفاحون أنفسهم اغتالوا عباس موسوي وزعماء آخرين كثرا من المقاومة اللبنانية، خاصة أولئك المنتمين إلى حزب الله، غير أن إسرائيل بعد كل واحد من هاته الاغتيالات كانت تدفع الثمن، حيث اندحرت في لبنان وهزمت شر هزيمة في حرب غشت 2006، بينما كان حزب الله يزداد قوة بعد كل اغتيال.
اليوم، واشنطن وتل أبيب، بوش وأولمرت وباراك يقولون «إن العالم سيكون في حال أفضل بعد التخلص من مغنية». لقد فقدوا البصر والبصيرة، فعجرفتهم، التي لا حدود لها، جعلتهم يعجزون عن استخلاص العبر من الماضي.

لكن، وبعد أربع وعشرين ساعة من الغبطة والانتشاء بما اقترفوه، ألقى مسؤولون إسرائيليون آخرون نظرة إلى الوراء وتساءلوا: ما عساه يكون الثمن الذي سيتعين عليهم دفعه، هذه المرة، مقابل اغتيال عماد مغنية؟
ولأول مرة في تاريخها، إسرائيل كلها، بما فيها الشعب ويهود الشتات عبر العالم والجيش والسلطات الأمنية، تنتظر، والخوف جاثم على صدرها، ما سيرد به حزب الله، الذي يتزعمه نصر الله، هذا الرجل الذي أثبت في كل التجارب الماضية أنه يفي بوعوده. وكان زعيم الحزب الشيعي قد صرح مباشرة بعد اغتيال مغنية بأن إسرائيل باقترافها لهذه الجريمة قد تجاوزت كل الحدود، وأنها وسعت الحرب ضد حزب الله لتجعلها كونية.
هذا هو التحدي الذي رفعه نصر الله، حيث وعد برد سيكون له بعد عالمي. لقد أصبحت ساحة القتال هي العالم.
لماذا، إذن، هذا التصعيد من قبل إسرائيل؟ هل يتعلق الأمر بفعل انتقامي عادي أم بعملية لها إطار استراتيجي معين؟ من شارك في الجريمة؟

أولا، يجب الانتباه إلى أن الاغتيال تم في العاصمة السورية دمشق التي تدخل في صلب الأزمة اللبنانية، وفي توقيت يشتعل فيه، أكثر فأكثر، التوتر بين المعارضة وما يسمى الأغلبية، في توقيت لم يعد فيه اللجوء إلى استعمال السلاح مستبعدا. ولا يمكن تجاهل أن هذا الاغتيال تزامن أيضا مع بلوغ المواجهات بين واشنطن وطهران أوجها، وهكذا، فإن الأسباب متعددة ومتنوعة.
ويبدو أيضا أنه من خلال هذه العملية، أراد القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون أن يثبتوا أن إسرائيل ستبقى موجودة تضرب حيثما تشاء ووقتما تشاء، وأن هزيمتها الأخيرة أمام حزب الله لم تكن أبدا نهاية لقوتها الجبارة.

من جهة أخرى، فإن العملية كلها تخضع لعقلية السفاح إيهود باراك، والرئيس الحالي للموساد ميير داغان، المعروف بأنه كان مسؤولا عن استقطاب الجواسيس اللبنانيين، ومتحمسا لتبني خيار التصفيات الجسدية.
ولا نستبعد أيضا أن يكون من أهداف هذه العملية توريط سوريا وحزب الله في حرب جديدة لم يتدخلا في اختيار توقيتها ولا مكانها. ولا يستبعد كذلك أن الهدف من هذا الاغتيال كان الدفع باتجاه اشتعال شرارة حرب أهلية لبنانية تستنفد وتضعف قوة وطاقة حزب الله، وتجعله غير قادر على مواجهة هجوم موسع من الجيش الإسرائيلي، يكون ضربة قاتلة موجهة إلى حزب الله، تمكن حلفاء الولايات المتحدة من اللبنانيين من بسط يدهم بشكل تام على لبنان، وتوقيع معاهدة سلم مع تل أبيب، مما سيؤدي إلى إضعاف دمشق وجعلها في موقع هش، مع حرمان طهران من حليفين أساسيين، ألا وهما حزب الله وسوريا.

غير أن شيئا واحدا مؤكد، وهو أن اغتيال عماد مغنية بمثابة قطيعة. إنه إعلان عن اضطرابات عميقة، كما أنه يبدو جليا، أكثر فأكثر، أن أجهزة المخابرات العربية قد شاركت، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في هذا الاغتيال، وإلا فكيف يمكن تفسير كون الرياض قد طلبت من مواطنيها ألا يذهبوا إلى لبنان مثلا؟
لقد بدأت الحرب القادمة بين حزب الله وإسرائيل، وستكون حربا دامية وستدوم طويلا. إنها لعبة شطرنج مميتة.

ولأول مرة، حدد نصر الله لمقاتليه كهدف تدمير إسرائيل. يبدو هذا بالنسبة إلى البعض هذيانا، أما بالنسبة إلى آخرين، فإن نصر الله قد أثبت، عبر الزمن، أنه يفي بوعوده وأنه لا ينطق عن الهوى.
وقبل أقل من شهر، لم يكن العالم يعرف من يكون عماد مغنية، أما اليوم فاسمه أصبح على كل لسان. اليوم، أصبح ينظر إليه على أنه شهيد القضية الفلسطينية، وأصبح بطلا في عيون الشعوب العربية والإسلامية، الشيعية منها والسنية.

اليوم، عاد نصر الله إلى الواجهة، وجعل معظم قادة الدول العربية يظهرون أمامه أقزاما. إنه نصر الله الذي سيجعل من الزمن حليفه، والذي، بالنسبة إليه، ينتصر الدم دائما على السيف.

عن جريدة المساء المغربية.