لن نرجع بالذاكرة ربع قرن أو أكثر، فمسألة الحشود العسكرية واستعراض القوة أصبح أكثر من اعتيادي، في ظل غياب واضح لصورة سياسية، وعندما تصبح المدمرة كول قبالة لبنان فإن ذلك لا يحمل "مؤشرا أمريكيا" إنما صورة لمعركة قادمة بدأت في غزة.

قدوم المدمرة كول ينهي الجدل حول مسألة القمة العربية، ومرحلة "التوافق" المطلوبة، أو حتى الشروط التي يمكن أن تنجح هذه القمة، لأن "الشرط" العسكري هو الأوضح اليوم سواء في غزة أو على السواحل اللبنانية، فهناك "رائحة" حرب بينما تستعد دمشق لاستقبال القمة، وهناك "تأثير" عسكري وسط الجدل السياسي.. فهل ما يحدث هو "حرب أعصاب"... أم قتال جدي يمكن أن يصل إلى ذروته؟!!

في كل الحالات تبدو المسألة أكبر من محاولة وضعها في مصباح سحري يحمله عمر موسى اليوم إلى دمشق، أو تنتقل به كوندليزا رايس نحو القاهرة والقدس والرياض، لأن نتائج السياسة الأمريكية يجب أن تحسم خلال أشهر، وربما عليها يمكن أن نتوقع رئيسا أمريكيا قادما، لكن هذا الرئيس يأتي على أشلاء أطفال غزة، ولا نعرف هل سيمتد "الاستقرار" مع قدوم "كول" باتجاه بيروت أو أي عاصمة أخرى.

وبالطبع فإن رائحة الحرب أكثر من خانقة في الأول من آذار، وهي أيضا مصحوبة بذاكرة مختلطة ما بين المحاولات الأمريكية المتكررة لدخول لبنان من خمسينيات القرن الماضي إلى عام 2008، وفي النهاية فإن الرسائل هي "إلى سورية" حسب كل التصريحات الأمريكية، وهذه "الرسائل ليست إعلامية كما يحدث اليوم في الحملات التي تخوضها بعض الفضائيات، لأن تحمل جدية التناقض في مستقبل المنطقة، وربما قوة التحدي الذي يضعنا كل يوم أمام حالة سياسية مستجدة.

وإذا حاولنا تجاوز "المستجدات" التي تحاول إضافتها الإدارة الأمريكية على المعادلة السياسية اليوم فإننا نقف أمام جملة من الاعتبارات التي تواجه الواقع الإقليمي:

 التشكيل الأمريكي رغم أنه ليس جديدا لكنه يأخذ مواقع إضافية، فقدوم كول لن يزيد في الميزان العسكري الكثير، لكنه يضع الإستراتيجية الأمريكية على محك المواجهة المباشرة مع كل العوامل السياسية التي اعتقدت واشنطن أنها يمكن أن تُحسم بفعل داخل فقط.

 رغم الإيحاء بأن عملية فرز المنطقة تتم على قاعدة سورية – إيران مقابل "الاعتدال"، لكن التعامل العسكري المباشر يوحي بأن المسألة هي "تصفية" ما تسميه الولايات المتحدة "البؤر الإضافية"، ابتداء من غزة التي بدأت معركتها بشكل عنيف وانتهاء بحزب الله، قبل الانتقال إلى ما تدعيه بشأن محور دمشق – طهران.

 الواضح أن معركة القمة العربية لا علاقة بالموضوع اللبناني إلا من زاوية الضغط، فهناك موضوع فلسطيني سيطرح على القمة، وهو ما يفتح مسألة الإستراتيجية العربية التي تعيش افتراق المشروعين... وقمة دمشق في النهاية معركة على الشرق الأوسط وتطويعه بأسلوب إدارة بوش التي لا تملك الكثير من الوقت لذلك.

لن يكون الأول من آذار هذا العام مشابها لغيره من السنوات، لأنه يحمل معه أكثر من مسألة التطورات السياسية، فهو يضع المنطقة في ميزان سياسي جديد، مع رائحة الحرب القادمة من غزة باتجاه السواحل اللبنانية، وربما هو تاريخ فاصل بين مرحلتين أوصلتا المنطقة لذروة الأزمة السياسية.. وأخيرا المجد لسورية...