علقت إسرائيل امس «المحرقة» التي تنفذها في غزة، فسحبت جيشها من شمالي القطاع، لكنها واصلت غاراتها الجوية، وذلك افساحا للمجال امام قيام وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس بجولة «هانئة» تبدأ اليوم في كل من مصر والأراضي الفلسطينية وإسرائيل، لا «تعكرها» دماء الشهداء، وحفلات التنديد اللفظي، لكنها توعدت بالعودة بعد يومين لارتكاب مذابح «أسوأ» ما لم توقف حركة حماس اطلاق الصواريخ، فيما اعتبرت الحركة أن «دماء أطفال غزة حققت النصر» متوعدة بتوسيع المواجهة «اكثر الى ابعد مما وصلت اليه».
في غضون ذلك، نشر الصحافي ديفيد روز في مجلة «فانيتي فير» الاميركية، وثائق سرية تؤكد وجود خطة اميركية وافق عليها الرئيس الاميركي جورج بوش ونفذتها وزيرة الخارجية كوندليسا رايس ونائب مستشار الامن القومي اليوت ابرامز، تستهدف اشعال حرب اهلية فلسطينية، بعد هزيمة حركة فتح امام حركة حماس في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني .2006
وتنص الخطة على دعم تشكيل قوة عسكرية بقيادة «الرجل القوي» سابقا لفتح في غزة محمد دحلان، مزودة باسلحة حديثة، تسمح لها باسقاط حكومة حماس المنتخبة ديموقراطيا. غير ان الخطة فشلت، وبدلا من ان تؤدي الى اسقاط حماس، انتهت الى إخراج فتح والسلطة من غزة، وتعزيز قبضة الحركة الاسلامية على القطاع.
وتراجع الجيش الاسرائيلي الى المناطق الحدودية شرقي جباليا، لكنه لا يزال متوغلا مئات الامتار في الاراضي الفلسطينية. وقال مسؤول حكومي إسرائيلي كبير إن الهجوم دخل «فاصلا لمدة يومين» من أجل تسهيل زيارة رايس. أضاف «هذه العملية المحدودة للغاية كانت تستهدف التوضيح لحماس ما يمكن أن يحدث... ما يمكن أن تصفه بالتمهيد»، موضحا «إذا قرروا أنهم اكتفوا بما شاهدوه وأوقفوا إطلاق الصواريخ وإذا وصلتهم الرسالة، يمكننا آنذاك العودة لفترة الهدوء. وإذا استمروا في إطلاق الصواريخ، فسيكون هناك المزيد من العمليات مثل هذه العملية أو أسوأ».
وعثر على جثامين ثلاثة شهداء فلسطينيين، بعد انسحاب الاحتلال من جباليا، هم ثابت جنيد وعبد الله الشنّار والمسعف محمود زقوت الذي «داسته جنازير الدبابات الاسرائيلية» بحسب وزير الصحة في الحكومة الفلسطينية المقالة باسم نعيم، فيما توفي امس ستة فلسطينيين في مستشفيات مصرية، نقلوا اليها بعدما اصيبوا خلال العملية.
وبذلك يرتفع الى 129 عدد الشهداء الذين سقطوا خلال «المحرقة» الاسرائيلية الاخيرة في غزة، حوالى نصفهم من المدنيين، بينهم نحو 30 طفلا واكثر من عشر نساء. وثمة اكثر من 350 جريحا.
وشن الاحتلال سلسلة غارات جوية مع قصف مدفعي على القطاع، ما ادى الى استشهاد ستة فلسطينيين عرف منهم محمد ابو حجر ودرويش مقداد وابراهيم المصري ورمزي خويطر.
وردت المقاومة باطلاق ثلاثة صواريخ سقطت على عسقلان، أصاب أحدها مبنى سكنياً ما ادى الى اصابة امرأة. وقال ضابط رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية امام «لجنة الشؤون الخارجية والدفاع» في الكنيست ان «اكثر من 20 قذيفة من نوع غراد اطلقت في الايام الاخيرة. ونحن نتحدث عن قذائف من صنع ايراني»، موضحا انها اطلقت خصوصا على عسقلان.
في غضون ذلك، استشهد فتى فلسطيني وأصيب العشرات، خلال مواجهات مع الاحتلال والمستوطنين، أثناء تظاهرات في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، احتجاجا على المذبحة الإسرائيلية في غزة.
حماس
وبعيد انسحاب القوات الغازية من جباليا وحي التفاح، شارك حوالى 20 الفا من عناصر حماس وانصارها في تظاهرة «نصر» في غزة، قال خلالها القيادي في الحركة محمود الزهار إن العملية الإسرائيلية «انتهت من دون تحقيق أهدافها وفشلت في إيقاف صواريخ المقاومة»، مشددا على ان «اجتياح بوصة واحدة من غزة يعني ان المعركة والمواجهة ستستمران وستتوسعان اكثر الى ابعد مما وصلتا اليه». وتابع ان «الخطوة المقبلة هي اقتحام أبناء حماس لحدود قطاع غزة»، مشيرا الى أن حماس أجرت اتصالاً مع طرف ثالث، يرجح ان يكون مصر، لبحث سبل التوصل الى هدنة تشمل إطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين وإنهاء الحصار الإسرائيلي لغزة.
وقال رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية، من جهته، إن «دماء أطفال غزة حققت النصر والاحتلال سيزول».
اما القيادي في حركة الجهاد الاسلامي خالد البطش، فرأى ان «احد اهداف العملية العسكرية هو ان تفرض علينا اسرائيل هدنة بشروطها هي»، مضيفا «لكن المقاومة والشعب لم يقبلا بذلك. لا يمكن ان نستسلم لمشيئتها».
إسرائيل
في المقابل، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت امام «لجنة الشؤون الخارجية والدفاع» في الكنيست «نحن لا نزال في قلب المعركة. ما حدث في الأيام الأخيرة ليس حدثا يقع مرة واحدة»، مضيفا ان «كل شيء ممكن: غارات جوية، عمليات برية، عمليات خاصة، كل شيء مطروح. على حماس ان تتوقع ايضا تحمل ما سنفعله وبأي حجم». وتابع ان هدف العمليات الاسرائيلية هو «الحد بشكل جذري من اطلاق الصواريخ، وإضعاف نظام حماس الى درجة يصبح معها عاجزا عن السيطرة على غزة».
وقال اولمرت امام نواب حزبه «كديما» «لسنا مستعدين لابداء اي تساهل، الامر محسوم. وسنرد»، مضيفا «إذا لم نستمر في العملية السياسية فسنضطر إلى مواجهة واقع غزة في كل الضفة الغربية... وعلينا أن نقرر ما إذا كنا نريد عملية سياسية حقيقية أم مواصلة التعطر بتبريراتنا والتسبب بصعود حماس للحكم في الضفة».
وأبلغ وزير الدفاع ايهود باراك المسؤول الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا، في القدس المحتلة امس، انه «تم توجيه ضربة قاسية لحماس خلال الايام الاخيرة، والعمليات ستتواصل»، فيما ابلغته وزيرة الخارجية تسيبي ليفني ان «دولة اسرائيل ملتزمة حربا ضد الارهاب، وتنتظر من المجتمع الدولي ان يدعمها ويعلن تصميمه على نزع الطابع الشرعي عن المنظمات الارهابية، وفي مقدمها حماس».
رايس
وتوجهت رايس إلى الشرق الأوسط، حيث تبدأ جولتها في القاهرة اليوم، بلقاء الرئيس المصري حسني مبارك ووزير الخارجية أحمد أبو الغيط، لبحث موضوع غزة وسبل وقف تهريب السلاح عبر الحدود مع القطاع، بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية توم كيسي.
وتتوجه رايس لاحقا الى رام الله حيث تلتقي الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، ومن ثم الى القدس المحتلة، حيث تجتمع مع اولمرت وليفني، اليوم وغدا. وكان عباس قد اعلن وقف التفاوض مع اسرائيل.
وقال المتحدث باسم «مجلس الامن القومي» الاميركي التابع للبيت الأبيض غوردون جوندرو «لدينا رسالة واضحة: على الفلسطينيين ان يختاروا. انه خيار الارهاب او خيار الحل السياسي الذي يفضي الى دولة فلسطينية تعيش الى جانب اسرائيل بسلام وأمن»، مضيفا «أول شيء ينبغي أن يحدث هو أن تتوقف حماس عن استهداف المواطنين الإسرائيليين بالصواريخ. ينبغي عليها أن تتوقف. ثم يتعين على الجانبين أن يعودا إلى مائدة المفاوضات وإجراء مشاورات».