وضعت المؤسسات الاستخبارية الإسرائيلية تقديرها الاستراتيجي السنوي على طاولة الحكومة، أمس. تقدير حذّر من خطر إيران النووي ودورها الرئيس في «محور التطرف». وأشار إلى ارتفاع احتمالات الحرب مجدداً مع حزب الله، وتوقف عند الخطر المتنامي لقدرات «حماس» الصاروخية. ونبأه السار كان: لا خشية على الأنظمة في دول الاعتدال العربي

سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، إلى التخفيف من وقع سوداوية المشهد الذي رسمه التقدير الاستخباري الاستراتيجي لوضع إسرائيل في مواجهة أعدائها خلال عام 2008. وبدت التصريحات، التي أطلقت خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية، أمس، الذي خصّص لاستعراض هذا التقدير، محاولة واضحة لإشاعة أجواء الطمأنينة وسط الجمهور الإسرائيلي، في ضوء «تعاظم الاتجاهات السلبية» في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل وارتفاع منسوب التهديدات فيها، وفقاً للعرض الذي قدمه قادة المؤسسات الاستخبارية الإسرائيلية على طاولة الحكومة.
وشدد أولمرت على امتلاك تل أبيب «كل الوسائل لمواجهة التهديدات والأخطار المحدقة بأمنها وأمن مواطنيها ومعالجتهما»، موضحاً أن «هناك بالتأكيد تهديدات ومخاوف وأخطاراً، لكن مجرد حديثنا عنها يعني أن هناك ردوداً عليها». وأضاف: «سوف نضع لائحة التهديدات والمخاوف بصورة صحيحة ضمن المنظومة الشاملة لقدرتنا القومية والأمنية ولقوة جيشنا وجرأة قادته ومقاتليه، بحيث نكون مستعدين لمعالجة الأخطار وسبل تأمين الردود كما ينبغي».
وشارك في اجتماع الحكومة ممثّلون عن كل من شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، والموساد والشاباك، إضافة إلى قسم التحليل الاستخباري في وزارة الخارجية. وتقدمت الأجهزة الأربعة بتقارير تشرح تقديراتها بشأن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في عام 2008.
وقسّم التقدير الإجمالي دائرة العداء لإسرائيل إلى «خمس ساحات عملانية هي: سوريا، لبنان، غزة، إيران والجهاد العالمي»، مشدّداً على أن «التهديد الاستراتيجي والرئيس لإسرائيل مصدره إيران وذلك لسببين: التقدم في مشروعها النووي، والدور المحوري الذي تكرّسه لنفسها كقائدة لمحور التطرف». ورأى أن «إيران ماضية في تطوير قدراتها النووية غير آبهة بالقرارات الدولية. كما تواصل تطوير صواريخها البالستية ذات المدى البعيد».
وإذ أشار التقدير إلى توثيق التعاون والتنسيق العسكري بين إيران وكل من سوريا وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، استبعد، من جهة أخرى، وجود خطر على الأنظمة السياسية في كلّ من الأردن والسعودية ومصر، التي صنّفها في خانة «محور الاعتدال».
وبشأن احتمالات اندلاع الحرب في العام الجاري، رأى التقدير أن هذه الاحتمالات منخفضة حيال الدول العربية ومرتفعة حيال حزب الله. وأوضح في هذا الإطار أن ثمة «معقولية عالية لاشتعال (الجبهة) مجدداًَ مع حزب الله»، مرجّحاً أن يكون ذلك «في حال اشتعال جبهة أخرى مثل قطاع غزة».
وفي سياق العرض الاستخباري، كان لافتاً التطابق في وجهات النظر بين «أمان» و«الموساد» بشأن إمكان حصول اختراق سياسي قبالة سوريا. ورأى الجهازان أن فرص انفصال سوريا عن محور التطرف في المنطقة بزعامة إيران تكاد تكون معدومة، إلا أنهما أشارا إلى إمكان حصول ذلك «إذا كان الثمن المعروض على دمشق استعداد إسرائيل لإعادة الجولان إليها، إضافة إلى موافقة أميركية على استئناف الحوار معها».
ومن المعلوم أن موقف الجهازين كان مختلفاً في العام الماضي، إذ رأى «أمان» في حينه أن مؤشرات السلام الصادرة عن سوريا جدّية، فيما أصرّ «الموساد» على كونها مناورة سياسية تهدف إلى التخلص من الضغوط الأميركية والدولية التي تمارس على النظام السوري.
وعن تصور الحرب المقبلة، رأى تقدير الاستخبارات الإسرائيلية أن الدور الحاسم فيها، بحسب رؤية كل من إيران وسوريا، سيكون للسلاح الصاروخي وليس للتفوق البري والجوي. ولذلك «تخوض سوريا عملية تسلّح متسارعة، وهي في طور تطوير واستيعاب قدرات عملانية تتعلق بصواريخ بعيدة المدى، الهدف منها ضرب الخاصرة الإسرائيلية الرخوة، أي الجبهة الداخلية المدنية».
أما بخصوص التهديد المرتبط بالجهاد العالمي، فأشار التقدير إلى أن نشاط تنظيم «القاعدة» ومنظمات أخرى تابعة له بدأ ينزلق نحو قطاع غزة من دون أن يوضح حجمه أو مدى تأثيره.
وفي الشق المتصل بالساحة الفلسطينية، رأى التقدير أن «الجبهة الأكثر نشاطاً حالياً هي جبهة غزة، في ظل إطلاق الصواريخ والإرهاب الذي تمارسه حماس». وتوقف عرض «الشاباك» عند «الارتفاع النوعي في نشاط حماس»، مشيراً إلى أن ذلك يعود إلى التدريبات التي تتلقاها الحركة في إيران. وأوضح تقدير «الشاباك» أن «حماس قادرة على إطلاق صواريخ من صناعة غير محلية لأمداء تتجاوز 17 كيلومتراً»، لافتاً إلى أن هذه القدرة ستزداد في عام 2008. وأشار تقرير «الشاباك» إلى أن الحركة كانت قد تمكنت من السيطرة على مخازن السلاح والمنشآت الاستخبارية التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وأنها زادت وتيرة نشاطاتها في الضفة الغربية، وخصوصاً في نابلس وقلقيلية.
وأوضح مسؤول أمني إسرائيلي في هذا الإطار أن «حماس لا تزال قويّة جداً في الضفة الغربية، وهناك خطر حقيقي من أن تسيطر عليها»، مضيفاً: «من دون العمليات التي ينفذها الجيش يومياً على حماس، يمكن أن يحصل مثل هذا السيناريو».
وقدّر «الشاباك» أن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة في عام 2008 «منخفض»، إلا أنه حذّر «من انفجار شعبي (فلسطيني) عنيف إذا تعرّض الحرم القدسي للاستهداف، أو إذا كان حجم الإصابات في الجانب الفلسطيني كبيراً».
وعن اتجاهات الرأي داخل الجمهور الفلسطيني، رأى تقرير «الشاباك» أن عموم الفلسطينيين يريدون انتخابات رئاسية وتشريعية، وأنهم قلقون من المشاكل الاقتصادية، ويبدون مقاربة ازدواجية تجاه العمليات ضد إسرائيل، ويواصلون إيلاء ثقتهم لمحمود عباس كرئيس للسلطة.
وتطرّق العرض الاستخباري إلى فلسطينيي 48، فرأى أن «تعابير الاحتجاج على الجهات السلطوية (الإسرائيلية) تزايدت عام 2007»، مشيراً إلى أن «25 مواطناً من عرب إسرائيل كانوا متورطين بأعمال إرهابية خلال العام الماضي، وقد جرى تشغيلهم من جانب منظمات إرهابية من المناطق».