اقيم قبل 85 سنة، نجا من كل الازمات الاقتصادية واعتبر حصينا امام كل هزة. الى أن جاءت نهاية الاسبوع المأساوية الاخيرة: يوم الجمعة الماضي أعلن بنك الاستثمارات بار سترنس، احد أقدم بنوك الاستثمار في وول ستريت بانه نفدت وسائله المالية.
اضطر البنك للاستجداء في سبيل روحه لدى الادارة في واشنطن وطلب مساعدة طارئة عاجلة، دونها سيعلن عن الافلاس. الادارة، في صورة البنك المركزي الأميركي، فعلت ما لا يصدق، استخدمت الانظمة الخاصة للطواريء وقدمت مساعدة بحجم عشرات مليارات الدولارات.
القصة الدراماتيكية لسقوط بار سترنس تجسد جيدا الواقع الاقتصادي المخيف لربيع 2008. الارض المالية للكرة الارضية تهتز. كبرى الاسواق المالية، الاساس الذي بنيت عليه القوة المالية للغرب برمته، تشقق.
ما حصل لبار سترنس اخاف أميركا وينبغي أن يخيفنا ايضا. ليس بسبب حجم البنك، الذي في ذروته لم يكن يساوي اكثر من بضع مليار دولار - بعيد جدا - جدا عن عظام المال العالمي مثل ستي غروب، او جي.بي.مورغن. ومع ذلك، لو انهار بار سترنس لكانت امواج صدى سقوطه استشرت بسرعة كبيرة في كل المبنى الورقي المتهالك للسوق المالية الأميركية لتسقط المزيد فالمزيد من الضحايا.
بار سترنس ادار استثمارات بعشرات مليارات الدولارات لبنوك ومؤسسات مالية اخرى، وثقت به ثقة كاملة والان تريد استعادة اموالها. فقد اقام وباع صناديق ائتمان، اوراق مالية وأدوات مالية مركبة، لم يفهم احد ما هو المعنى من وجودها ولا يمكن لاحد أن يقدر القيمة الاقتصادية الحقيقية لها - ولا سيما عندما تكون سوقها قد جفت تماما.
وعليه، لو تركوا هذه الخلية الضعيفة الاولى في السلسلة الغذائية لوول ستريت تتمزق - لكانت السلسلة بكاملها تفككت وانهارت. الاملاك المالية بقيمة مئات مليارات الدولارات، وربما حتى الاف المليارات، كانت ستتبخر، وتذوب وتختفي. الحضارة المالية الدولية كما نعرفها كانت ستتعرض لهزة هدامة. وبعد الهدم كان سيأتي أمراء النفط والشيوخ المسلمون الى السوق، ليفتحوا صناديق مليئة باموالهم ويجمعوا البضاعة بابخس الاثمان.
صورة الدومينو لا تلخص الهشاشة والاشكالية للساحة المالية الأميركية اليوم. من الاصح وصفها كلعبة الهرم: لعبة الاستثمارات المبنية على الفرضية في أنه دوما سيوجد اناس يشترون منك باكثر مما اشتريت قبل ذلك بسعر أقل: شقة، شهادة استثمار، ورقة نقدية، صندوق ائتمان او مخاطرة مالية. وعندما ينفد فجأة الشارون للبضاعة المشكوك فيها التي كان يفترض أن تكون في طلب دائم - تنكشف الخدعة. الهواء الساخن يخرج في حينه من الفقاعة، الهرم يسقط والامعات الذين لم يهربوا في الوقت المناسب يتلقون الضربة.
في منتصف العام 2007 كنا نتابع برعب وتحفز الانهيار التدريجي لكبرى العاب الهرم في الخمسين سنة الاخيرة: سوق شهادات الاستثمار المسنودة بقروض الاسكان في أميركا، والذي يسمى في لغة الصحافة الاقتصادية "ازمة القيمة الاولية الفرعية - ساب برايم". ومصدرها القروض للسكن التي منحها مقرضون لا كابح لهم لمقترضين قليلي الوسائل. غير أن قرض السكن الذي منح بسخاء كبير لجو سميث من اطلنطا حصل على حياة مستقلة وبدأ يولد كتائب - كتائب من اولاد الحرام.
فقد بيع لاتحاد مالي خاص أدخله في مخزون من القروض من انواع مختلفة، خلط، دحرج وانتج مقابله شهادات استثمار بيعت لاتحادات مالية اخرى، اقامت منه مبان مالية مركبة. وقد بيعت هذه بنجاح الى مؤسسات استثمار اخرى، واصلت عملية خلق الياسمين. وهكذا دواليك: املاك حقيقية بقيمة 100 مليار دولار ولدت املاك وهمية بقيمة 3.000 مليار دولار. وهذه تهتز الان. تهدد ليس فقط بركود عالمي، بل وحتى بسقوط.
نحن في اسرائيل من الصعب علينا أن نفهم آليات التضخم المالي المختلفة هذه. السوق المالية عندنا أكثر ثباتا، أكثر رقابة، ولهذا فهي اكثر مصداقية ايضا. ولحظنا، لم نمر بعد في كامل عملية التحول الوول ستريتي، التي حلم بها الوزراء والمشرعون الذين خلقوا الاصلاح الاخير في السوق المالية. وليس صدفة أن يكون بار سترنس ضالعا في البلاد في اقامة مثابة "بنك استثمارات" كهذا، الى جانب شركة تأمين ميغدال. لحظنا ميغدال نفسها هي شركة متينة، ذات وسائل، ويمكنها أن تطرد الشريك الأميركي الزائد الذي لا داعي له عائدا الى وطنه. الامر الذي اعتزمت عمله على أي حال حتى قبل الازمة.
وبقدر كبير، اسرائيل هي صورة مرآة لأميركا. صورة معكوسة. عملتنا قوية اكثر مما ينبغي، لأميركا اضعف مما ينبغي. لدينا دين سلبي، بمعنى أن العالم مدين لنا بالمال، اما لأميركا فدين خارجي يواصل الازدياد. لحكومة اسرائيل يوجد فائض في الميزانية، اما للادارة الأميركية فيوجد عجز. كما أن المنظومة البنكية الاسرائيلية، التي يطيب لنا جميعا أن نكرهها، افضل بكثير من المنظومة الأميركية.
هذا لا يعني اننا ليس لنا ما نقلق منه. الشرخ الأميركي الشمالي، اذا ما تطور الى حجوم بركان متفجر، لن يتجاوزنا. وصحيح حتى هذا الصباح تقدر الخسائر المالية الاجمالية للمؤسسات المالية في العالم بـ 600 مليار دولار. ومن أجل أن تنجو يتعين على هذه المؤسسات ان تقلص القروض لزبائنها بـ 6.000 مليار دولار على الاقل، او أن تتوجه لاحد ما يلقي بها بحبل النجاة ويدفع لها بمئات مليارات الدولارات. وهنا نحن نلتقي مرة اخرى امراء وشيوخ النفط.
إذن فالاسوأ، لا يزال ليس وراءنا.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)