ما استطاع إنجازه "تشيني" في المنطقة ظهر سريعا ليس فقط في معارك البصرة، بل أيضا في نوعية الأزمات التي بدأت تتشكل فوق باقي "الأزمات" التي بقيت تتفاعل طوال مرحلة الاحتلال. فأمام "تشيني" أقل من ستة أشهر للتحليق خارج عقارب الزمن من اجندة لم تتحقق طوال خمس سنوات من الاحتلال.

وإذا كان من الصعب التفكير في كيفية القفز فوق الزمن كما يحلو لتشيني، لكن من السهل قراءة كيف تتبع الإدارة الأمريكية أسلوب توليد الأزمات بشكل سريع على غرار ما يحدث في البصرة، فإنجاز تشيني الأساسي هو تحقيق انتخابات برلمانية في تشرين الأول وإنجاز حكومة قادرة على تحقيق أمرين:

 الأول توقيع اتفاق نفطي جديد مع الولايات المتحدة.

 الثاني توقيع اتفاق عسكري مع الحكومة المتوقع قدومها بعد الانتخابات.

هذين الأمرين يجب ان يتحققا وفق أجندة تشيني قبل الانتخابات، بشكل يدفع "جون ماكين" بشكل قوي في سباق الرئاسة، وعلى الجانب الآخر يضمن لشركات النفط الأمريكية حصصها التي طال انتظارها من نفط العراق، فكيف تخيل تشيني الحلول التي يمكن اعتمادها؟!

ما حدث خلال الأشهر الماضية يؤكد أن التهدئة التي رسمها الأدميرال وليام فالون لم تكن تناسب ديك تشيني، وبالطبع فإن فالون لا يقل طموحا عن الإدارة الأمريكية لكن بحكم كونه عسكريا فهو يتعامل مع واقع واضح، وإجراءات لها علاقة بالعمليات العسكرية وإمكانيات القوات الأمريكية على الأرض. هذا التصور عكسته بعض التقارير التي تحدثت سابقا عن اتفاقات بين فالون والرئيس الإيراني أحمدي نجاد بشأن التهدئة في العراق، وبالطبع فإن الثمن السياسي لكل طرف ليس مجالا للبحث هنا، إلا أن ما حدث بعد ذلك يعكس بشكل مباشر طبيعة التقسيم الذي تريده الولايات المتحدة في هذه اللحظة بالذات فزيارة تشيني ليست بعيدة عن:

أولا - معارك البصرة التي يراد لها أن تكون نقطة انطلاق لإعادة رسم الخارطة السياسية بحيث تأتي الانتخابات بشكل مختلف يتناسب وثقل بعض الدول الإقليمية في مواجهة إيران.

الثاني – جولة تشيني خارج العراق التي شملت دولا إقليمية وعلى الأخص باكستان التي شهدت تحولا باتجاه الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة. فتشيني لا يريد فقط تحولا في الانتخابات العراقية، بل أيضا تطويق إقليمي يعتقد أن يستطيع موازاة "الدور" الإيراني الذي يرى أنه سينحسر مع المعارك التي بدأت في البصرة.

ثالثا – التعامل مع مجالس الصحوة من جديد، بعد الأزمات المتلاحقة معها، فهي كما يريدها تشيني سترجح كفة فئة على أخرى وستؤثر في الانتخابات البرلمانية القادمة.

بالطبع فإن تشيني لم يغير الإستراتيجية الأمريكية كثيرا، لكن الجديد هو "الأجندة" المتسرعة الموضوعة، فالمراقبون العسكريون يرون أن تصفية ما يصفونه بـ"الميليشيا الشيعية" لن يكون سهلا وأن التصادم مع الجيش الأمريكي سيبدأ عاجلا أو آجلا... في المقابل فإن العراق سيدفع ثمنا أضافيا دون أن تصل "الأجندة" إلى نهايتها الحقيقية... هذه الصورة ستعقد بالطبع الواقع الشرق أوسطي، لكنها بالتأكيد لا تسير وفق ما يريده تشيني...

مصادر
سورية الغد (دمشق)