في 16/1/1956 ألقى الرئيس جمال عبد الناصر خطاباً أعلن فيه الدستور المصري الذي ورد في مادته الاولى، ان "مصر دولة عربية مستقلة ذات سيادة وهي جمهورية ديموقراطية، وأن الشعب المصري جزء من الأمة العربية".
بعدها قام وفد برلماني سوري بزيارة مصر ولقاء الرئيس جمال عبد الناصر الذي أبدى استعداد مصر لأن تنفّذ كل ما تريده سوريا، في 5/7/1956 كلف البرلمان السوري الحكومة "إجراء مباحثات مع مصر لتحقيق الاتحاد بين القطرين"؛ وعندما توجه الوفد الحكومي السوري الى القاهرة التقى الرئيس جمال عبد الناصر الذي أبدى ارتياحه لهذا القرار، واعتبر الاتحاد تحقيقاً لأمنية كل عربي، وأن ذلك يتوافق مع المادة الاولى للدستور المصري.
حين تألفت الحكومة السورية في 31/12/1956 تقدمت من مجلس النواب في 13/1/1957 ببيان وزاري كان عنوانه الابرز: "تنفيذ قرار الاتحاد الفيديرالي مع مصر".

أثناء مشاركة وفد برلماني سوري في احتفالات ذكرى "ثورة 23 يوليو" حيث افتتح الرئيس جمال عبد الناصر جلسات مجلس الأمة المصري في 23/7/1957 ألقى كلمة ورد فيها هذه الفقرة عن الوحدة بين مصر وسوريا: "لكن
الاتحاد يجب أن لا يبنى على العاطفة وحدها، بل لا بد أن يقوم على أسس وقواعد متينة، وذلك باتخاذ الخطوات العملية لتحقيقها في مختلف النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، وإن الحكومة المصرية على استعداد للقيام بالمفاوضات والمباحثات مع الحكومة السورية".
إثر انتخاب أكرم الحوراني رئيساً لمجلس النواب السوري في 14/10/1957، تم توجيه دعوة الى مجلس الامة المصري لإرساء وفد لزيارة سوريا من أجل وضع أسس الاتحاد بين البلدين"؛ وفي 17/11/1957 عُقدت جلسة مشتركة بين الوفد المصري الزائر ومجلس النواب السوري صدر إثرها قرار بالاتحاد الفيديرالي بين مصر وسوريا، وبمباركة الخطوات العملية التي اتخذتها حكومتا البلدين في سبيل تحقيق الاتحاد، وانتهى الى دعوة الحكومتين "للدخول فوراً في مباحثات مشتركة بغية استكمال اسباب تنفيذ هذا الاتحاد".
بعد صدور هذا القرار أدلى الرئيس جمال عبد الناصر بتصريح صحافي، جاء فيه: "إن الاجراءات المتعلقة بتحقيق الاتحاد بين سوريا ومصر بدأت تتخذ صورتها النهائية، وكان رأيي أن ندخل الاتحاد على مراحل، كالوحدة العسكرية والوحدة الثقافية...".
أما الاحزاب السورية فيمكن تبيان موقف كل منها على الشكل الآتي:
حزب البعث العربي الاشتراكي أقر في اجتماع موسع لقيادتيه القومية والقطرية ومجلسه المركزي مشروع دستور الاتحاد الفيديرالي بين مصر وسوريا الذي اقترحته اللجنة المكلفة من قيادة الحزب.
بعد إقرار هذا المشروع كتب أحد القادة الثلاثة لحزب البعث، وهو أكرم الحوراني، مقالاً في جريدة "البعث" في 17/12/1957، بعنوان "فلنبدأ بالاتحاد أولاً" ومما ورد فيه:
"إن الوضع الدستوري في مصر، وهي القطر الأكبر والأقوى، يصح أن يكون اساساً للاتحاد ونقطة البداية فيه".
ويفهم من هذا المقطع أن أكرم الحوراني كان موافقاً على اعتماد النظام الرئاسي، فضلاً عن صيغة الاتحاد القومي كبديل من التعددية الحزبية.
الحزب الشيوعي السوري أكد على ضرورة أن يتحقق الاتحاد بين مصر وسوريا على أسس وطنية ديموقراطية وأن يرتكز على أسس متينة واقعية تأخذ في الاعتبار الظروف الموضوعية في كل بلد.
وكان لحليف الحزب الشيوعي خالد العظم موقف مماثل.
أما حزب الشعب والحزب الوطني، فإن موقفهما كان متماثلاً، إذ دعوا الى اقامة اتحاد فيديرالي بين مصر وسوريا، وأن يعتمد النظام الرئاسي.
بعد عودة وزير الخارجية السوري صلاح البيطار الى دمشق، قادماً من نيويورك، مروراً بالقاهرة، التقى برئيس شعبة العمليات في الجيش السوري أحمد عبد الكريم، وأعلمه أنه التقى بالرئيس جمال عبد الناصر الذي أبلغه أن "جميع الاحزاب والمنظمات في سوريا أكدت له رغبتها بالوحدة... لكنه لم يتلق شيئاً رسمياً عن موقف القوات المسلحة السورية، وأن لديه معلومات تقول بأن هناك فئة من ضباط الجيش السوري تعارض الوحدة، لذلك لا يمكنه أن يقبل بإجماع البرلمان والمنظمات على قيام الوحدة الاّ ضمن موقف الجيش السوري الصريح من هذه الوحدة".
وختم صلاح البيطار حديثه مع أحمد عبد الكريم بالقول: "لقد اصبح موضوع الوحدة متوقفاً عليكم في قيادة الجيش، وعليكم أن تبدوا رأيكم بهذا الموضوع التاريخي الذي أجمع عليه الشعب في سوريا".
إثرها عقد مجلس قيادة الجيش السوري اجتماعاً في 11/1/1958 واتخذ في ختامه قراراً بوضع مذكرة تؤكد موافقته على الوحدة والاندماج، دون قيد أو شرط (بلد واحد، رئيس واحد هو جمال عبد الناصر، علم واحد، جيش واحد ودون أحزاب) وتقرر السفر الفوري الى القاهرة لاقناع الرئيس جمال عبدالناصر بالوحدة الفورية، وبابلاغ نسخة عن المذكرة الى اركان الدولة في يوم الذهاب الى القاهرة.
وصل وفد الضباط السوريين الى القاهرة 12/1/1958، وللتو التقاهم المشير عبدالحكيم عامر الذي أبدى لهم تفضيله قيام الوحدة بصورة تدريجية، بدءاً بالاقتصاد والعلاقات الخارجية والدفاع... وأكد على وجود فروقات بين المجتمعين والنظامين.
مساء 15/1/1958 التقى الرئيس جمال عبدالناصر بوفد الضباط السوريين الذين ساقوا اليه مبررات طلبهم للوحدة، ويمكن تلخيصها بما يلي:
I – حالة الفرقة بينهم (الاستنفار) والطوارئ الدائمة في الثكنات وتوجس كل واحد منهم من الآخر.
II – ضياع سوريا بين أحزابها وبين ضغط حلف بغداد، في الداخل والخارج. هذا الحلف الذي يهرب اسلحته الى سوريا عبر الحدود، ويضع المخططات للسيطرة على سوريا.
III – تسلل الشيوعيين الى الاعصاب الحساسة في سوريا، وان خالد بكداش حوّل حي الاكراد الى قلعة مسلحة لا يجسر الغريب على الاقتراب منها.
IV - تهالك الشخصيات السياسية السورية على أبواب الرياض وبغداد من أجل قبض الأموال.
وتلخصت اجابة الرئيس جمال عبد الناصر بالنقاط التالية:
I - أن الضباط أتوا بمبررات "سلبية" لطلب الوحدة، ولسوف تشكل عبئاً عليها، وان الوحدة ليست بالعمل السهل.
II – انه يصرف كل طاقاته كي يجعل من مصر نموذجاً للعمل الوطني.
ثم بادر الى استيضاحهم عما اذا كان رئيس الجمهورية السوري شكري القوتلي على علم بالأمر؟ فأجابوا بالنفي؛ عندها أصرّ على ضرورة البحث مع الحكومة صاحبة المسؤولية. فما كان من الضباط السوريين الا الاتصال بالحكومة السورية التي أوفدت وزير الخارجية صلاح البيطار وكلفته الاجتماع بالرئيس جمال عبدالناصر كي "يفهم منه الحد الأدنى من الاتحاد التي تقبل به الحكومة المصرية". وكان القرار شفهياً، لكنه على كل حال لم يكن فيه تفويض بالاتفاق مع مصر على أي أمر. كما ورد على لسان خالد العظم في مذكراته.
في 16/1/1958 توجه صلاح البيطار الى القاهرة، وفي الدقيقة الأولى من صباح اليوم التالي التقى – برفقة الضباط السوريين – الرئيس جمال عبدالناصر الذي أبلغ من وزير الخارجية السوري بموافقة حكومته على اتمام الوحدة وتبعه الضباط السوريين الذين خاطبوا الرئيس جمال عبدالناصر بالقول: "خلصنا من أنفسنا!!". فأبدى موافقته على تحقيق الوحدة الاندماجية وليس الاتحاد الفيديرالي. واضعاً شروطاً ثلاثة هي:
أولاً: الاستفتاء الشعبي.
ثانياً: توقف النشاط الحزبي في سوريا بالكامل، وان تحل الأحزاب فيها نفسها.
ثالثاً: توقف تدخل الجيش في السياسة وهذا يعني استقالة الضباط العاملين في السياسة من الجيش.
اجابه الضباط بصوت واحد: "اننا نضع أنفسنا بتصرفك، ولك أن تتصرف بنا كما تشاء...!!".
حين عاد صلاح البيطار الى دمشق بادر الى اطلاع اركان الدولة السورية على اتفاق الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا بكل تفاصيله. فوافق عليه الجميع، باستثناء خالد العظم الذي اعترض على عدد من بنود الاتفاق وأبرزها اعتماد "نظام الحكم الرئاسي" وعلى اعتبار الاتحاد القومي بديلاً من الاحزاب، وأكد على الديموقراطية وتعدد الاحزاب. فهب الجميع في وجهه هبة رجل واحد، بما فيهم حليفه وحليف الشيوعيين: عفيف البزري.
عندما سئل صلاح البيطار عما فعله بالمشروع "الاتحادي" الذي حمله الى القاهرة باسم الدولة السورية وحزب البعث؟ أجاب: "لم أعرض المشروع... لأن الوفد العسكري اقر الوحدة الاندماجية قبل وصولي الى القاهرة، فطويته ولم أجد مبرراً لعرضه!!!".

مصادر
النهار (لبنان)