لم تقلل رسائل التهدئة بين اسرائيل وسورية، عبر الأقنية الخلفية، من التصريحات التصعيدية والاجراءات الميدانية، خصوصاً من جانب الدولة العبرية. واذا كان كل من الجانبين يعلن انه لا ينوي مهاجمة الآخر والدخول في حرب، فإنهما لا يتوقفان عن تكرار الاستعدادات لرد أي هجوم.
هذه هي حال المنطقة منذ عقود.
لكن الجديد، هذه الأيام، هو توقعات برد من «حزب الله» على اسرائيل ثأرا لاغتيال قائده العسكري عماد مغنية في دمشق، واعلان اسرائيل انها ستعتبر مثل هذا الرد هجوما عليها، وان سورية تتحمل مسؤوليته، وما قد ينطوي على احتمال توسيع المواجهة الى حرب. هذا هو السياق الذي توضع فيه كل التصريحات والتحركات الاسرائيلية، من تعزيز الاجراءات الامنية في الاماكن التي قد تكون هدفا للرد الثأري، الى توسيع المناورات العسكرية على الحدود الشمالية مع لبنان، وقبلها تنشيط قرار توزيع الاقنعة الواقية على المدنيين، وإطلاق حملة تسريبات واسعة عن التهديد الصاروخي السوري والايراني، وتزويد «حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في قطاع غزة بإمكانات مماثلة.
في موازاة ذلك، يتراجع حديث السلام على المسار السوري مع تراجع الرهان على المؤتمر الدولي في موسكو، والذي كان يُفترض ان يكون تتمة لمؤتمر انابوليس، بفعل التحفظات الاميركية والاسرائيلية. ويقتصر نشاط الاقنية الخلفية على رسائل التهدئة وعدم الرغبة في حرب وليس عن الظروف والخطوات التي يمكن ان تؤدي الى طاولة مفاوضات. كما ان اكثر المتفائلين بالسلام على المسار الفلسطيني بدأوا يعيدون حساباتهم على أساس ان اكثر ما يمكن التوصل اليه بيانات اضافية عن السلام الاسرائيلي - الفلسطيني، بدلاً من رؤية اقامة الدولتين نهاية السنة، بحسب الوعد الاميركي.
أي ان مرحلة اللاحرب واللاسلم مستمرة، وإن كانت مظاهر التوتر هي الطاغية عليها... ما لم تحصل مفاجأة ما تقلب المعطيات. ولوحظ ان الصحافة والمحللين في اسرائيل، وبعد ايام من قرع طبول الحرب، عمدوا الى وضع هذه المسألة في اطار النزاعات الحزبية الداخلية، خصوصا المواجهة بين زعيم حزب العمل وزير الدفاع ايهود باراك وسلفه في الحزب والوزارة عمير بيرتس. واعتبروا ان باراك عمد الى التصعيد الاقليمي من أجل تثبيت وضعه كمسؤول عن الامن الاسرائيلي الذي يتعرض للتهديد، وتجميل صورته التي اهتزت كثيراً بفعل الحملات الداخلية عليه. فأقر المناورات العسكرية وألغى زيارة مقررة لألمانيا وراح يطلق التصريحات عن التهديدات لإسرائيل وقدرتها على التصدي لهذه التهديدات.
ويُعتقد بان اعادة التركيز على الجبهة الشمالية جاءت تعويضاً للمأزق الذي واجهته اسرائيل على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة. اذ ان العملية العسكرية الاخيرة، رغم دمويتها، لم تؤد الى اي نتيجة بالحسابات الاسرائيلية، خصوصا وقف الصواريخ. وبحسب ما سربته الصحافة الاسرائيلية عن المناقشات الداخلية، يبدو ان لا أحد، لا في قيادة الجيش ولا في المستوى السياسي، يرغب في تحمل مسؤولية عملية برية كبيرة في القطاع، خوفا من تحمل نتائج الفشل المتوقع لها، في ضوء دروس حرب تموز على لبنان. في الوقت الذي نجا رئيس الحكومة ايهود اولمرت بشق النفس من لجنة فينوغراد عن الاخفاقات الاسرائيلية في الحرب على لبنان.
مسألة أخرى تدخل في الحسابات الاسرائيلية في قضية الحرب والسلم مع سورية هي مصير المواجهة بين الولايات المتحدة وايران، خصوصاً مع ازدياد الكلام عن خطوة قد يقدم عليها الرئيس بوش قبل انتهاء ولايته. فإذا كانت الولايات المتحدة تسعى فعلاً الى وضع حد للبرنامج النووي الايراني بالقوة، وما يترتب على ذلك من استهداف عسكري لإيران وقدراتها، فإن اسرائيل لن تكون مضطرة الى الدخول في مواجهة مسبقة مع سورية، حليفة ايران، ما دامت واشنطن ستتكفل بالمهمة، من جهة. ومن جهة ثانية، قد يكون عليها اعداد نفسها لاحتمال تلقي مضاعفات المواجهة الاميركية - الايرانية، وتالياً توفير قدراتها الى مرحلة لاحقة بدلاً من الغرق حالياً في مواجهات غير مضمونة النتائج.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)