معتقلون فلسطينيّون في قاعدة كيسوفيم العسكريّة قرب غزّة منذ يومين (أرييل شاليط ـــ أ ب)منع المحكمة العليا الإسرائيلية تعذيب الفلسطينيين، لم يمنع «الشاباك» من ابتكار أساليب جديدة في التنكيل بالأسرى في سجون الاحتلال. تنكيل لا يقتصر على العنف الجسدي والنفسي والكلامي، بل تجاوزه إلى استغلال أفراد عائلة المعتقل للضغط عليه لـ«التعاون» في التحقيق

فنّدت اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب في إسرائيل، في تقرير صدر الأسبوع الماضي بالعبرية، حالات استغلال «الشاباك» لأقارب المعتقلين الفلسطينيين. وأورد التقرير، الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه أمس، قصص استغلال العائلات رغماً عنها في تمثيليات متقنة، أخرجها المحققون في «الشاباك» الإسرائيلي لتضليل المعتقل في وسيلة للضغط النفسي عليه، منها تصوير أفراد العائلة على أنهم معتقلون، واعتقال والدة الأسير والتحقيق معها والتهديد باغتصاب شقيقة أحد الأسرى، أو اعتقال الزوجة.

ثوب المعتقلين

يرصد التقرير من ضمن الحالات، عائلة محمود سويطي، التي تسكن قرية بيت عوا قرب الخليل في الضفة الغربية. وبناءً على شهادات أفراد العائلة المدونة في سجلات محامي اللجنة، استغل «الشاباك» والد المعتقل وزوجته من دون معرفتهما أصلاً، كممثلين في مشهد مأساوي، وصوروهما كأنهما معتقلان. وقد أتقن «الشاباك» هذه المهمة، ما قاد المعتقل سويطي إلى الإضراب عن الطعام ومحاولة الانتحار.

اعتقل سويطي في الأول من شباط 2007. عشرات السيارات العسكرية الإسرائيلية طوّقت بيته وأيقظت العائلة كلها مفزوعة. ومضى عشرون يوماً من دون أن تسمع العائلة عنه شيئاً.

في التاسع عشر من شباط، اقتحمت دورية عسكرية عند منتصف الليل، بيت عائلة سويطي، وسلمت زوجته ميسون ووالده استدعاءً إلى مركز «عتصيون» ليزورا محمود. ولدى وصولهما إلى المركز، فصلت السلطات بين زوجة المعتقل ووالده. دخلت ميسون بمرافقة مجنّدة، وانضم إليهما ضابط قال لميسون إنَّ زوجها متّهم بقضايا قتل خطيرة، وسيقضي طوال حياته في السجن.

وعندما طلبت منه ميسون أن ترى زوجها، أخرجت إلى ساحة المركز، ترافقها جنديتان. طلبت منها إحداهما أن تتوقف وتنظر إلى الطابق الثاني، حيث كان محمود هناك يطل عليها من وراء شباك زجاجي رافعاً يديه. ومن بعدها أخرجت من المركز.

أما والد محمود فمرّ عبر مسار آخر، دخل إلى إحدى الغرف وتعرض لتفتيش دقيق للغاية وصل إلى حد إهانته. اقترب منه جنديان، الأول إثيوبي والثاني «ملامحه عربية»، كما يقول الأب، سأله: «كيف الحال يا حاج»، وأعطاه ثوباً بنياً متسخاً وممزقاً، وطلب منه أن يلبسه. بينما تناول الثاني الكوفية عن رأس أبو محمود وأمسكها بيده. واقتاداه إلى وسط الساحة نفسها، وطلبا منه أيضاً النظر إلى الطابق الثاني. وقال أبو محمود: «نظرت هناك، لكني لم أر أحداً، وعندها أعادني الاثنان إلى غرفة التفتيش وطلبا مني خلع الثوب، وأن ألبس الكوفية على رأسي وأن أعود إلى البيت».

وتبين في ما بعد أنَّ «الشاباك» اقتاد الاثنين إلى وسط الساحة، حيث كان محمود يراقب المشهد، معتقداً أنَّهما معتقلان في السجن نفسه. وكتب المحامي لبيب حبيب أنه بعد وقت قصير من مشاهدته والده وزوجته معتقلين «حاول سويطي الانتحار بواسطة خنق نفسه بملابسه».

«أشفق على أمك»

اعتقل الشقيقان سعيد وعمر دياب من قلقيلية، بعد اقتحام بيت العائلة بعد منتصف الليل في الثامن والعشرين من آذار من عام 2007. كانت القوات تحيط بالحي، والجنود يتمترسون على سطوح بيوت الجيران. بدأوا إطلاق النار بالهواء وإلقاء قنابل صوتية باتجاه البيت. حتى خرج الشقيقان من الغرفة وتعرّضا للضرب المبرح من جنود ملثمين ونقلا بعدها إلى الاعتقال. سعيد لم يدل بشيءٍ في التحقيق. وبحسب التقرير، الذي يشهد فيه سعيد نفسه، تبين أنَّ المحققين استعملوا ضده مختلف وسائل التعذيب الممكنة من دون فائدة. وبعد أسبوع من اعتقاله، جلس معه أحد الضباط، وقال له: «أريد أن أحدثك مثل أخ لي. ما قلنا سنفعله بك قد فعلناه. أقول لك الآن إنه إذا لم تتعاون في التحقيق، فإننا سنعتقل والدتك، والقرار متعلق بي. هناك قوة عسكرية جاهزة تنتظر الأوامر لأجل التنفيذ».

وبحسب شهادة الأم، فقد حضرت قوة عسكرية إلى البيت واعتقلتها ليل السادس من نيسان. وروت المعاناة التي مرّت بها بالقول: «على مدى ساعتين، كان المحققون يدخلون ويخرجون ويقولون لي إن ابنيّ عمر وسعيد قد أوقعاني وجرَّماني».

في هذه الأثناء، اقتاد أحد المحققين سعيد إلى إحدى الغرف، وفتح بابها قليلاً، وطلب منه أن يلقي نظرة إلى الداخل، حيث شاهد والدته في تحقيق مع ضابط آخر، وأمه شاهدته أيضاً. ويقول سعيد: «لقد أعادوني إلى التحقيق وضرب المحقق على الطاولة وقال لي: أنت لا تمتلك أية مشاعر، ألا تشفق على أمك. ممكن أن تموت أمك نتيجة هذه الحالة. وأنت المذنب».

واصل المحققون التحقيق مع سعيد، وقال أحدهم: «هل رأيت كيف اعتقلنا والدتك؟». وتابع التهديد بالقول: «سآتي بها إلى هنا لتكون شاهدة على تعذيبك». وكان المحققون يصطحبون سعيد بين الحين والآخر ليطل على غرفة تحقيق والدته ليسمع المحقق يصرخ عليها.

اعتقلت الأم مرتين، ولشرعنة اعتقالها الأول، قدمت السلطات ضدها لائحة اتهام لنقلها ورقة من مطلوب إلى والدته.

ولم يقتصر التهديد على الأم، وقال سعيد، في التقرير، إنَّ المحققين هددوه «قالوا لي إنه إذا لم تتعاون فسنعتقل شقيقتك كفاح (18 عاماً) ونغتصبها. ونعتقل والدك. وسنخرب بيتك».

قصص أخرى

يرصد التقرير أيضاً حالة عائلة علي عبد من قلقيلية، حيث هدده المحققون باعتقال والدته وفعلوا. وأشار عبد إلى أنه كان سمع صوت أمه تبكي أثناء التحقيق معها، ما أدى إلى انهياره كلياً.

أما جاسر أبو عمر، فاعتقل «الشاباك» زوجته ووجه إليهما تهماً بالتعاون مع حزب الله.