جاءت الى الدوحة لتلتقي عدداً من المسؤولين العرب وتتشاور معهم في صفقة تبادل الاسرى مقابل الجنود المخطوفين, وكذلك في الملف النووي الايراني. وجاءت بطبيعة الحال من اجل تعزيز العلاقات الاسرائيلية ­ القطرية وتنقية العلاقات بين اسرائيل وقناة «الجزيرة» لأنها عاتبة على «الجزيرة» وطريقة تغطيتها لحرب غزة. والرحلة لم تفاجئ أحداً بدليل ان الكلمة التي ألقتها في «منتدى الدوحة» للديمقراطية والتطوير والتجارة الحرة» كانت الكلمة المركزية, وقد لقيت اهتماماً كبيراً في الاعلام العربي والخليجي على وجه الخصوص.

نقرأ في موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية ان زيارة تسيبي ليفني للدوحة التي استمرت ثلاثة ايام كانت ناجحة, بدليل انها التقت امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني, ووزير الخارجية العُماني يوسف بن عبد عبد الله €للمرة الثانية€ علماً ان السلطنة لا تقيم علاقات رسمية مع اسرائيل. الوزيرة الضيفة اجتمعت كذلك مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وتجولت على عدد من المواقع الرسمية في قطر.

نقرأ ايضاً في الموقع ان التقسيم او الانقسام واضح بين «القوى المعتدلة» و«القوى المتطرفة» في جميع انحاء الشرق الاوسط,, وان اسرائيل ملزمة باستخدام كل الوسائل المتاحة لها من «اجل شرق اوسط يسوده الاستقرار والأمن والسلام», وفي الوقت نفسه من اجل تجريد الذي يؤمنون بأجندة راديكالية اصولية من صفة الشرعية. في السياق اياه يقول الموقع الاسرائيلي: «في اعقاب الاتفاق الذي تم التوصل اليه في مكة بين «فتح» و«حماس» حول تشكيل حكومة وحدة وطنية, اصبح ضرورياً ان يواصل المجتمع الدولي اصراره على الاستيفاء التام والكامل لهذه المبادئ. فهذه المطالب ليست عقبة في طريق السلام, بل من المقومات الاساسية لاحلال السلام, ولذلك يجب ألا تكون موضع مفاوضات او صياغة غامضة مبهمة, ويجب الوفاء بها وبالكامل من قبل اي حكومة فلسطينية يتم تشكيلها, لتحظى الاخيرة بالشرعية والتعاون من جانب المجتمع الدولي».

والكلام على «المعتدلين» يتكرر في الشق المتعلق بلبنان عندما يتوقف الموقع الاسرائيلي, وبكلام صريح جداً, عند «القوى الراديكالية التي تسعى الى ارغام المجتمع اللبناني على خدمة أجندتها المتطرفة, وتشاطر اسرائيل المجتمع الدولي والقوى المعتدلة في الشرق الاوسط ولبنان ذاته, الرغبة في رؤية الاستقرار والأمن يسودان كل ربوع لبنان بعيداً عن التدخل الاجنبي, ليمارس لبنان سيادته ويحتكر وحده دون غيره حق استخدام القوة فوق اراضيه».

يضيف الموقع: «لقد ابرز الصراع الاخير في لبنان المخاطر التي تهدد المنطقة في حالة عدم تحقق الاهداف المذكورة آنفاً في لبنان. وكانت منظمة حزب الله الارهابية, التي تسلحها وتمولها وتساندها كل من سوريا وايران, قد اشعلت نار مواجهة عسكرية في الصيف الماضي, وذلك عندما شنت اعتداءً على اسرائيل ­ لم يسبقه اي استفزاز ­ عبر الخط الازرق ­ وهو الخط الذي انسحبت اليه اسرائيل تمشياً مع امتثالها الكامل والاكيد لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 425, قبل هذا الاعتداء بست سنوات. وعلى الرغم من الانتكاسات الخطيرة التي منيت بها تلك المنظمة خلال المواجهات العسكرية, بقيت منظمة حزب الله عازمة على تقويض دعائم الحكومة اللبنانية, وعلى زعزعة استقرار المنطقة خدمة لاغراض ايران الراديكالية».

المطلوب إذاً, من وجهة النظر الاسرائيلية, نزع سلاح «حزب الله» وتفكيكه, وجهد دولي دبلوماسي اكثر تنسيقاً وفعالية لضمان تطبيق القرار 1701.

الفصل الثالث في الموقع يتصل بايران, نقرأ فيه: ليس هناك تهديد اكبر لاستقرار وأمن الشرق الاوسط اليوم, من التهديد الذي يشكله النظام الراديكالي في طهران, حيث يشكل النظام الايراني خطراً استراتيجياً متنامياً وجلياً, ليس على اسرائيل وغيرها من دول المنطقة فحسب, بل على قيم العالم الديمقراطي, على المجتمع الدولي وعلى الأمن العالمي عموماً.

وتتوقع اسرائيل من المجتمع الدولي ان يستخدم كل ما يتوافر من الادوات الموجودة في «جعبته الدبلوماسية», من اجل حمل القيادة الايرانية على تغيير سياستها في ما يتعلق بتطوير برنامجها النووي, ووضع حد للتهديد الذي توجهه سياساتها وتصرفاتها للمنطقة. وان الطريقة الوحيدة لحمل ايران على إعادة تقييم سياستها, تأتي من خلال ممارسة ضغوط قوية ­ لا لبس فيها ­ عليها, لكي تطبق مطالب مجلس الأمن, وكذلك القيام باجراءات اضافية من قبل دول تتمتع بنفوذ اقتصادي ومالي قوي في ايران».

وما تقوله الخارجية الاسرائيلية عن ايران تقوله ايضا عن سوريا التي «تعتبر سبباً مركزياً لعدم الاستقرار في لبنان لأنها تواصل حتى يومنا هذا تقديم الدعم الواسع والاسلحة الى «حزب الله» في خرق مباشر وسافر للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن الدولي».

يضيف: «كما تتباهى سوريا باستضافة ودعم منظمات ارهابية عديدة, منها منظمة «الجهاد الاسلامي» ومنظمة «حماس» الفلسطينيتين. وبهذا الصدد, نشطت سوريا بشكل خاص في تشجيع العمليات الارهابية ضد المواطنين الاسرائيليين, وذلك من خلال تقديم الدعم المباشر لنشاطات قادة «الجهاد الاسلامي» و«حماس», الذين وفرت لهم المأوى ومنحتهم حرية العمل فيها. هذا وتواصل سوريا ايضا لعب دورها في مجال زعزعة الاستقرار في العراق, حيث عبرت عن دعمها للقوى الراديكالية بتحالفها الوثيق المتزايد مع طهران. ان هذا النمط المستمر للسلوك التخريبي الهدام يدل على ان سوريا ما زالت تختار ان تكون جزءاً من المشكلة, بدلاً من ان تكون جزءاً من الحل, وفي ضوء هذا الموقف, يبدو وكأن دعوات سوريا الاخيرة لاجراء محادثات قد جاءت من اجل تخفيف الضغط الدولي والعزلة التي جرتها عليها سياساتها. ولا تشكل هذه الدعوات دليلا على التزام حقيقي بالتعايش والسلام. ان التعاطي مع النظام السوري, في غياب اي تغيير حقيقي في افعاله على الارض, سيكون بمثابة مكافأة للنظام على سياسات عرضت الشرق الاوسط والسلام للخطر».

هذا الكلام الصريح جداً يرسم الخريطة السياسية الاقليمية, كما هي, او كما تصورها اسرائيل, بين «العرب المعتدلين» الذين يتفهمون وجهة النظر الاسرائيلية, و«العرب الرافضين» الذين يدعمون «الارهاب» €يفهم المقاومة€ في وجه اسرائيل ومخططاتها المعروفة. وقد عبّرت تسيبي ليفني عن تعاطف واضح مع «المعتدلين» الذين يقودون مسيرة التطبيع مع اسرائيل قبل ان يأتي زمن التطبيع, في الخطاب الذي ألقته امام «منتدى الدوحة» ودعت فيه الى «مصالحة تاريخية» مع كل الاطراف, شرط ان تكون عقول وقلوب سكان المنطقة بأسرها جاهزة لهذه العملية.

وبعد ان قدمت نفسها بصفتها ممثلة لدولة اسرائيل قالت بالحرف الواحد: يشكل الحوار المتواصل بين اسرائيل وقطر شهادة حية للأهمية التي يوليها الطرفان لهذه العلاقات المتواصلة, التي لا تخدم مصالح الطرفين فحسب, بل تخدم مصالح المنطقة بأسرها. ونأمل ان تحذو دول عربية اخرى حذو قطر, كوسيلة لنشر التعايش والتفاهم والسلام في المنطقة كلها, وخصوصاً عندما تجري عملية سلام حقيقية بين اسرائيل والفلسطينيين. اننا نمد يد الصداقة الى الدول العربية في المنطقة والتي تمثل بعضها في هذا المؤتمر.

واضافت: لكن هناك من لا يوافق على مفهوم الديمقراطية. واعني المتطرفين الذين لا يكتفون برفض القيم الديمقراطية الحقيقية فحسب, ولكنهم يكافحون لحرمان الغير من حقوقهم ويستخدمون العنف اداة شرعية في معركتهم. ومن جهة اخرى, فان المعتدلين الذين يتبنون المبادئ الديمقراطية يعترفون بشرعية الغير ويستنكرون استخدام العنف. هذا هو اشد نزاع في الوقت الحاضر, النزاع بين المعتدلين والمتطرفين. انه يشكل تحدياً جديداً للمنطقة بأسرها. نحن المعتدلين في المنطقة كلنا اعضاء في المعسكر عينه, لمواجهة التحدي عينه الذي يرفعه امامنا المتطرفون.

المسألة اذاً باختصار مسألة صراع او خلاف في وجهات النظر بين «المعتدلين» و«المتطرفين». هكذا تريد تسيبي ليفني ان تصورها, وكأن العقود الستة الا خيرة التي مرت على اغتصاب فلسطين وتشريد اهلها وتهويد ارضها ومقدساتها, صارت من الماضي. المطلوب الآن ­ او كل ما هو مطلوب الآن ­ هو التخلي عن الأجندة العنيفة وتقديم العملية السياسية على ما عداها, والتعاون مع الشرعية الفلسطينية, ومع الشرعية اللبنانية, من اجل ايجاد حلول او «مصالحة تاريخية» تقوم على قبول متبادل... وتنتهي المشكلة.

هذا التبسيط المبالغ فيه للصراع الفلسطيني ­ الاسرائيلي واستطراداً الصراع العربي ­ الاسرائيلي. وفي معرض هذا التبسيط هي لا تتردد في كيل المديح لأمير قطر ورئيس وزرائه اللذين يحاولان التوسط لحل كل الازمات الاقليمية. وفي حديث الى صحيفة «الوطن» القطرية ابتكرت ليفني مفهوماً جديداً لشرعية «حماس» يستمد من «شرعية» اسرائيل €انظروا اين صرنا€ عندما قالت: تستطيع «حماس» ان تكسب شرعية من اسرائيل بعمل مجرد ثلاثة امور احدها قبول حق اسرائيل في الوجود. وهذا بالتأكيد ليس كثيراً ان نطلبه والامر الآخر هو ان تنبذ العنف والذين يؤمنون بالديمقراطية ينبغي ان يعرفوا بأنه لا مكان للارهاب في المثل الديمقراطية. والامر الثالث هو قبول الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية مع اسرائيل. فالمشكلة مع «حماس» هي انها ايديولوجيا لا تستطيع قبول حق اسرائيل في الوجود».

باختصار يمكن القول ان مقولة «المعتدلين العرب» تحولت في الخطابين الاميركي والاسرائيلي الى الوجه الآخر لهذا الخطاب وذاك, والدخول في اي خلاف او نزاع مع اسرائيل بات مرادفاً للدخول في خلاف مع الولايات المتحدة, التي تسيطر اساطيلها وحشودها العسكرية على كل شبر في قطر والخليج. وقد وجدت تسيبي لفني في رحلتها الاخيرة الى الدوحة الفرصة مواتية جداً لممارسة هوايتها المفضلة في اللعب على وتر «المعتدلين» ووتر «المتطرفين» اي العرب الذين لا يعتمدون الخطاب الاميركي ­ الاسرائيلي كنهج للتسوية, في الوقت الذي لا يزال هناك بين الفلسطينيين من يراهن على موقف عربي مساند.

وما قالته تسيبي ليفني في الدوحة يعني باختصار ان اسرائيل والمعتدلين العرب يواجهان المخاطر نفسها والتهديدات نفسها, اي الانظمة والحركات المتشددة التي تحاول «تخريب» مساعي السلام في المنطقة, اي السلام على الطريقة الاسرائيلية. وفي السياق إياه يمكن قراءة الموقف العربي في مجمله من ايران, وهو موقف يتجانس الى حد بعيد مع الاداء الدبلوماسي الاميركي في المنطقة, فضلاً عن انه يتعاطف مع بعض جوانب الموقف الاسرائيلي.

وهناك من يلاحظ ان اسرائيل والولايات المتحدة تنسبان الى «المعتدلين العرب» ما لا طاقة لهم على احتماله من مواقف في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا والامارات على اساس ان «تجمع المعتدلين» لم يعد مجرد تجمع يهدف الى محاربة التطرف في المنطقة, ودعم الحوار التفاوضي, وانما بات تجمعاً يعمل كأداة في يد الدبلوماسية الاميركية, تماماً على طريقة موظفي الخارجية الاميركية العاملين تحت اشراف وادارة الوزيرة كوندوليزا رايس.

واستجابة المعتدين العرب للمطالب الاميركية, بصورة شبه دائمة, تنقل المزيد من الاشارات والرسائل الى اسرائيل التي مفادها ان الجامعة العربية والعمل العربي المشترك لم يعد لهما اهمية في المرحلة الراهنة, وان المطلوب €ربما€ ان تتحرك اسرائيل بحرية اكثر من دون ان تقيم حساباً للموقف العربي المشترك او لأي مبادرة عربية سلمية او غير سلمية. وهناك من يعتقد ان الفرق لم يعد كبيراً بين ما تريده الادارة الاميركية فعلاً, في لبنان وفلسطين والعراق, وما تريده دبلوماسية «الاعتدال العربي», لأن الجانبين يطالبان سوريا والفلسطينيين واللبنانيين بالسلوك اياه في التعامل مع اسرائيل, ولأن التأثير الاميركي في القرار العربي «المعتدل» لم يعد يقتصر على اصدار بيانات مشتركة باسم القمم العربية او عقب اللقاءات الثنائية, وانما بات تحركات ومواقف عملية ونهجاً سياسياً واستراتيجياً خطيراً.

والسؤال يبقى: الى اين يمكن ان تقود لعبة الرسائل الاميركية ­ الاسرائيلية «المعتدلة» الى « المعتدلين العرب», في زمن الحصار الذي تعيشه غزة, والعصف الدامي الذي يعيشه العراق, والتمدد الاميركي الاستراتيجي في كل زاوية عربية على حساب الحقوق العربية؟

مصادر
الكفاح العربي(لبنان)