هل عاد "الفكر القومي" إلى الغرف المغلقة؟ إنه سؤال فقط على هامش المؤتمر الذي انعقد في دمشق لمعالجة هذا الموضوع، فمن الصعب اليوم النظر إلى "الموضوع القومي" من زاوية عدة أجيال حملت "انطباعا" خاصا حول حياتها، بينما بقيت "المفاهيم" بعيدة عن عقلها الذي ربما تأذى بفعل "العولمة" أو "السياسة" أو حتى "الهزائم" التي تعيشها يوميا بفعل الظرف السياسي.

في مؤتمر دمشق محاولة للتفكير بهذا الموضوع، وطرح مسألة "التجديد" بما يوحي بأننا نملك على الأقل بوادر خاصة حول المسألة القومية، لكن المؤتمر الذي ضم بالفعل عددا من الباحثين في هذا الموضوع يطرح مفارقة في "الموضوع القومي" الذي كان "مدا جماهيريا" وأصبح اليوم حلقات بحث لمأزق عاشته "الأحزاب القومية" منذ منتصف السبعينيات.

ربما علينا النظر من جديد إلى هذه البادرة التي انطلقت على هامش "دمشق عاصمة للثقافة العربية"، لأن إطلاق التجديد ربما يحتاج إلى أكثر من ورشة عمل أو حركة نشر، فالتيار القومي سابقا استطاع إنتاج "نخب سياسية" لأنه استطاع الانتقال من الوسط الثقافي الخاص إلى مساحة المجتمع، وربما انحسر هذا التيار عندما احتكرت "النخب السياسية" عملية البناء القومي فحجبته عن المفكرين والناس.

بالطبع فإن القراءة الجديدة للقومية هي أكثر من ضرورة اليوم، وهي في نفس الوقت ليست "جهدا" فكريا يمكن أن تطرحه مناسبة معينة، يستطيع عبرها الباحثون الحوار، فـ"تجاوز" القومية مع عملية التكسير السياسي التي تمت ممارستها من قبل "كافة" الأحزاب السياسية، التي اعتبرت أن التحول الاجتماعي وربما بناء القومية يتم عبرها وبها، وأن حيوية هذا الموضوع يمكن أن يستمر بـ"الجهد" الحزبي فقط، أو بالعمل السياسي الذي ظهر منذ الخمسينيات مُحتكرا لـ"الحق" وربما مُبتدعا لنظام معرفي يجاوز ما بين التراث والرغبة العاطفية للناس.

في الخمسينيات كانت هناك رغبة سياسية تجاوزت عمليات التأسيس النظري، واليوم هناك تفكير نظري في مقابل تكسير سياسي، فإذا كان هناك ضرورة لتجديد الخطاب القومي فمن المهم أيضا التعامل مع المساحة الأوسع داخل المجتمع، لأننا لسنا أمام تجديد، بل ربما تأسيس للقومية بعد أن استطاع رواد النهضة إدخالنا إلى هذا المجال.