كما في العادة يرحلون تاركين خلفهم صوتا صارخا في البرية، يسمعه الجميع ولا يسمعوه.. يعترفون بصوابيته ويلقون به على اقرب قارعة زبالة ويتناسوه.. وعندما يأتي موعد الفخر يفتخرون به وبقصب سبقه، وعندما تسألهم يجيبون ...نعرف نعرف، فقد ذكرها الشرابي (أو غيره) في طبقاته، ولكن البداية لم تبدأ كالعادة ولن تبدأ كالعادة لأننا ننسى العدد في البيت وهي تحتاج الى وقت للوصول اليها.

انها فنتازيا التفكير والمفكرين في هذه البلاد، إعادة ممجوجة لحكاية دون كيخوتة المنسية ، واعادة تقهر الروح لحدوتة سيزيف الذي رجاه العالم ان يتوقف عن رفع الصخرة الى قمة الجبل ليس لأن لا فائدة ترجى (كما عندنا) بل لأنهم استطاعوا تثبيت صخرته في الأعالي فنقطة التقاء المبادرة الفردية مع الجهد الاجتماعي المنظم، في لحظة التقاء الحرية الفردية مع انتاج الحاجات الاجتماعية، لحظة التناغم القادرة على انتشال الاوطان من عتمة شربكتها وفوضاها.

هل كان الشرابي آخرهم؟ أقصد هؤلاء الذين فكروا بتفاؤل بإمكانية حصول هذه اللحظة وخلصونا نحن الواهمون من لحظة اليأس النهائي، لم يكن أولهم ولا آخرهم ولكن الخوف كل الخوف أن يتحول التفكير والابداع الى حاجة شخصية يقضيها المرء في أول مطبعة يصادفها لكي تتحول مع الزمان الى طبقات صفراء نسترجعها من باب العلم بالشيى ء ، أو كمثال على فشل الحراك الانساني أن يغير شيئا فينا .

شكرا هشام الشرابي ووداعا لأننا وربما سنحتفظ بكتبك على الرفوف العليا في مكتباتنا المنزلية، كما نعد أننا سنحافظ حتى على الغبار الذي يعتليها وسنترحم عليك وسنفخر بك ولكن شيئا واحدامؤكدا سوف يحصل هو اننا لن (نرد) عليك ، لأن هذه الأقاويل التي ضمنتها مؤلفاتك الفانتازية هي لمجتمعات وليست لتجمعات ونحن نسينا (العدة) في البيت وهناك وقت طويل لجلبها علنا نستطيع البدء ببناء مجتمع ما ... ربما كانت الحرية كما ارتأيت احد انواع خبزه اليومي

هشام الشرابي وداعا جدا جدا جدا ... لقد سلوناك بعد طباعة اول كتاب لك ...فكيف الآن ؟؟؟؟