ما يدفع اليوم للحديث خارج السياسة هو ما حدث، أو يحدث في كل لحظة، داخل المؤتمرات، وعلى الأخص ما جرى في الكويت، عندما قررت مجموعة من دول بحث العلاقات السورية – اللبنانية، ولكن بغياب الطرف السوري وبوجود تيار لبناني فقط.

ما حدث يضعنا أمام نوعية التعامل الدولي الذي يريد أن يرسم المنطقة على شاكلته، مستفيدا من أبعاد داخلية وربما اجتماعية، وفي النهاية يسعى لتكسير الأبعاد التي ترسم هويتنا بالدرجة الأولى، فتصبح السياسة "الدولية" هي المحور التي يرسم علاقات المواطنين.

والبوابة السياسية هي في النهاية صورة واحدة، ولكنها في ظروف "الافتراق" الحاصل تُشكل على ما يبدو العقل الذي يحكم العمل العام، لأنها انتقلت من التصريحات الرسمية إلى حيز المجتمع فأصبحت تشكل كل القراءات التي نمارسها في رؤية الحاضر والغد ... فهل نستطيع التحرر قليلا من "كابوس" السياسة لنعيد تشكيل المحاور التي نريدها للمستقبل؟! والسؤال محاط بجملة الاعتراضات على الأخص بعد تجربة من رسم الحياة على شاكلة "السياسة" و "المبادئ" و "حقوق الإنسان" ... أو غيرها من المصطلحات التي لا تدخل تفكيرنا دون النظر إلى "الدولة" و "النظام" و "السلطة" ... فهناك على ما يبدو مرشحات تعيد صياغة المصطلح، ليصبح العمل العام مربوط بكل أشكال "السياسات" العليا أو حتى "غايات" المعارضة ...

بالطبع السياسة في صلب كل نفس ... لأن هذه المقولات كانت العنوان الذي دفع الأجيال للعمل العام من بوابة السياسة، وربما كانت الخمسينيات حالة لا بد منها، أو أنها لحظة التطلع نحو العالم من جديد، بعيدا عن الأشكال النمطية التي رافقت المجتمع منذ زمن المماليك.

هذه الصورة النمطية تظهر عندما نفكر بالأزمات فنبتدع "آلية" البيانات، أو نرجع القضايا العامة نحو صورة العلاقات بين دولتين، في وقت تخلو الساحة الاجتماعية من التيارات التي تعمل خارج "السياسة" بمفهومها التقليدي، فلا يبقى إلا "المجتمع الأهلي" بصوره التراثية التي على ما يبدو "انتصرت" بعد أن اختصرنا العمل العام بالنخب، وتفاصيل الحياة بقضية "الخطط الخمسية" أو مسألة "قانون الطوارئ"، فيما تسوح ثقافة القرون الوسطى لتشكل عباءة لنمو الأجيال.

صكوك البراءة أصبحت جاهزة لتتابع الأجيال طالما أن المفاهيم المعلقة على التراث هي الصورة الأقوى، بينما نتعلق بأشكال النخب التي تريد رسم المستقبل وهي غير قادرة على التحرر من تفكير "الخمسينيات" و "الستينيات" و .... من القرن العشرين. فإذا لم يتحقق "الانتصار" إلا من البوابة السياسية، فالأمر بسيط والتبريرات جاهزة، والاستقالة مقدمة سلفا لأن الجميع غير قادر على رسم تياراته بشكل أكثر حداثة ... أو وفق الحداثة التي لم تعرف "النخب" على شاكلة الشرق الأوسط.

لم يعد الأمر متعلق بسطوة الإرادات الدولية ... بل بسطوتنا على أنفسنا ... وربما بقدرتنا على خلق تراث جديد أضيق بكثير.