مشكلة السلام في عدم امتلاكه لصورة واضحة أو مستقرة داخل التفكير السياسي في منطقتنا، فكلما بدأ الحديث عن "مفاوضات" يتم استرجاع "نماذج" جاهزة حول هذا الموضوع، وهي بالإجمال حالة من التنميط لهذا الموضوع الذي بقي غائبا عن التفكير السياسي العربي عموما لأكثر من نصف قرن.
وفي صورة أولية فإن أي "تسوية" يتم الحديث عنها فإننا ننتقل مباشرة إلى "معالم صفقة" على سياق ما حدث مع الرئيس الراحل أنور السادات أو الرئيس ياسر عرفات، لكن هذه "الصفقة" لم تعد ممكنة في الظروف الدولية السائدة اليوم، فالاعتبارات الأمريكية تغيرت، و "إسرائيل" أيضا تحول التفكير فيها بعد تجربة الانتفاضة الثانية، فالتسوية التي تعثرت على الجانب الفلسطيني – "الإسرائيلي" رغم كل الجهود الدولية، هي في النهاية تجربة لمرحلة تاريخية لم تعد ممكنة بشكلها السابق لأن الواقع الاستراتيجي للمنطقة تغير، وربما المهم اليوم عدم "تنميط" السلام على شاكلة ما جرى في "أوسلو" أو "كامب ديفيد"، فالمعنى الجديد لأي تسوية سيحمل سمات ما حدث منذ زيارة شارون إلى الحرم القدسي في أيلول عام 2000.

بالطبع فإن أريل شارون لم يكن يعبث أو يمارس بـ"براءة" حقه كيهودي كما صرح آنذاك، لكنه كان يعيد صياغة سياسة "إسرائيل" من خارج الحكومة موحيا بأن الاتفاقات السابقة لم تعد ممكنة، على الأخص بعد أن قام إيهودا باراك بالانسحاب من جنوب لبنان، وربما كان توقع شارون في محله لأن المنطقة كلها بدأت تدخل مرحلة تحول قوي، كما أن السياسة الأمريكية ومع نهاية عام 2000 انتقلت إلى إستراتيجية جديدة.

عمليا فإن "التسوية" التي كانت قائمة انتقلت من أروقة السياسة إلى المساحة الاجتماعية، وأعادت في فلسطين على الأقل صياغة الجغرافية – السياسية من جديد، وفي نفس الوقت فإن القمة العربية في بيروت عام 2002 حاولت إعادة الزمن إلى الوراء، وكان من الطبيعي أن يرد شارون عليها باقتحام "جنين" مذكرا العالم بأن "المعادلة" القديمة انتهت، وهي بالفعل انتهت ليس فقط بالنسبة للعرب بل أيضا لـ"إسرائيل" التي شهدت أيضا ارتجاجا كاملا وصولا إلى حرب تموز 2006.

وعند الحديث اليوم عن السلام أو التسوية أو المباحثات فإننا لا نستطيع وضع إطار قديم له، على الأخص أن المؤشر الأول الذي نملكه هو في نوعية الوسيط الذي يحاول لعب دور ما بين سورية و "إسرائيل"، في وقت تبدو فيه المنطقة وكأنها على "حافة" أزماتها، فالاتفاقات التي أبرمت في لبنان، والاتفاقيات المتوقع توقيعها في العراق توحي بمحاولة لاستباق الزمن قبل أن يظهر من جديد العامل الأمريكي بعد الانتخابات، فـ"السلام" ربما لن يتغير مع بداية العام القادم لكنه سيقف أمام امتحان لنوعية ارتباط قضايا المنطقة، لأن أي رئيس أمريكي سيرى فيما يحدث بالشرق الأوسط "سلة" متكاملة يهمه منها بالدرجة الأولى ما يحدث في العراق، ومن هذه النقطة ستدخل العوامل الإضافية، لذلك يبدو من العسير تفكيك "السلام القادم" أو معرفة عناصره الحقيقية طالما أن المسألة مرتبطة بقوس الأزمات من أفغانستان وصولا إلى فلسطين.

السؤال الأخير الذي يطرحه "السلام" هو في منهجية التفكير بهذا المصطلح، لأن تكسير نمطيته لا يمكن أن يتم إلا عندما نستطيع قراءته من جديد وفق فهمنا لمصالحنا بالدرجة الأولى، لأن مسألة استعادة الأرض هي حق لنا وهي شرط للسلام لكنه غير كاف لمعرفة مستقبل الصراع مع "إسرائيل" وتحوله إلى "تسوية".....