قبل أن يصبح السلام "دوامة" جديدة من الحدث الذي يلاحق الجميع فإن السؤال الذي يظهر: ما الذي يشكله "الحق" في المصطلح السياسي؟! وربما علينا من جديد الاقتناع باننا نعيش في عالم من صراع المصالح، وليس على صورة من الخيال يظهر فيها "الحق" وكأنه الكل الذي يبهر الأبصار. وربما لا يكفينا اليوم التعامل فقط مع الصورة التي رسمها "الحق" في أدبيات السياسة التي حكمت الشرق الأوسط منذ بداية الاستقلال.

ما حدث خلال الأعوام القليلة الماضية من تاريخ "عملية التسوية" هو استخدام كلمة "الحق" للهروب بالمعنى السياسية من الدخول في "سلام" غير متوازن، فصحيح أننا نملك حقوقا لكن التكنيك السياسي كان يعي أن العملية برمتها تسير على حساب الخلل الذي أوجدته الخروق داخل عملية الصراع، فـ"السلام" عمليا ظهر من خارج الخطاب العربي، وهو نشأ على أعتاب عدوان حزيران وربما بعد صدور القرار 242، وبهذا الشكل ظهر "السلام" وكأنه النقيض لمسألة الحقوق، وشكل حالة نشاز واضح عن الثقافة الاجتماعية التي مازالت تعتبر حتى اليوم أن فلسطين "مغتصبة".

"الرهان" على الحق لم يكن كافيا طوال سنوات الصراع لصياغة معادلة جديدة على مستوى السياسة أو حتى الحرب، وهذا الأمر أدى إلى تراجع التفكير السياسي بشكل عام فسبقه الحدث السياسي بفعل "محاولات التسوية"، وانتقالها من نقطة إلى أخرى دون تحقيق "السلام" سواء بمفهومه العربي، أو حتى على الطريقة "الإسرائيلية".

في الظروف التي يعيشها الشرق الأوسط إجمالا ربما علينا الحفر عميقا في قناعاتنا السياسة، وقراءة الخطوات التي بقيت ممزوجة بالتراث لتصل بنا إلى مناطق الصراع المكشوف. فالحق مصطلح لا يمكن استخدامه بشكل مطلق، والحقوق المشروعة ظهرت ضمن توافقات وليس لأن طرفا امتلك الحق بشكل مطلقا، فالمهم هو طريقة "تعبيرنا" عن هذا الحق سواء بالحرب أو بالسلام، أو حتى في رسم ساساتنا الداخلية وطريقة تعاملنا مع الأزمات المتلاحقة التي ظهرت قبل ستين عاما مع ظهور "إسرائيل"، فلإذا كان الحدث السياسي مهتما بعملية التسوية، فإننا بالمقابل معنيون بأساليب الوصول إلى "الحقوق" التي بقيت أسيرة التفكير القديم، وربما المعادلات السياسية التي ظهرت قبيل الاستقلال.

في صور السلام اليوم احتمالات مفتوحة طالما أن الاستراتيجيات الجديدة لم تبدأ عملها على الأرض، وربما نودع اليوم "السلام الاستباقي" الذي رافق "الحروب ضد الإرهاب" وأوصلتنا نقاط شاذة في العملية السياسية، فأصبحت التسوية تقود إلى افتراق سياسي داخلي بدلا من ان تضعنا أمام "سلام" يستطيع جعل "الحق" الذي نملكه في إطار الممكن وليس فقط ضمن مجال الخطاب السياسي المحشور في ثقافة يقفز فوقها الحدث السياسي.

مصادر
سورية الغد (دمشق)