حتى الثاني عشر من الشهر الحالي هناك "صورة" إعلامية تتفاعل مترافقة مع كم التحليلات التي تعالج العلاقات السورية - الفرنسية، لكن عمق الحدث هو نوعية "الدور" الإقليمية الذي تم طمسه من خلال صورة ذهنية لسورية بدت وكأنها تحاول تقديم محاسبة للتاريخ، أكثر من كونها إعادة تشكيل سياسي، فالتركيز الإعلامي يداهمنا فجأة ويغيب دون سابق إنذار، ولكن الانتقال يقدم ممكنات للبحث في تجربة صياغة هذه "الصورة" التي تم شخصنتها كثيرا على الأخص بعد احتلال العراق.

هذا التركيز الإعلامي ربما ينقلنا إلى صورة المفارقات الدائمة في عمليات الحجب غير المقصودة، فنتوقف وكأننا في جغرافية مجهولة من الصعب معرفتها أو رسم الحدث عليها، فالمسألة ربما خارج إطار ثقافتنا التي اعتادت عدم التحرك نحو الغد، أو التعامل مع الرأي العام على انه شأن حيوي قابل لـ"التخلق" في كل لحظة، وهو في نفس الوقت يستطيع النسيان سريعا مع زحمة الحدث.

منذ اتفاق الدوحة وهناك "سرعة" يصعب استيعابها "إعلاميا" على الأقل، ففي عمق الحدث ربما لا نجد الكثير كي نفككه طالما أن العالم لم يقدم بوادر لـ"نظام جديد"، لكن الاعتياد على التحولات الكبرى شأن لا يقود نحو صورة واضحة، فهناك تراكم في الحدث لا بد أن ترسم ملامح ولو قليلة على مساحة الشرق الأوسط، فأهم ما حدث هو أنه كان خارج المعتاد، وتبلور بطريقة لم تعد مألوفة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول.

الأطراف الإقليمية اليوم تملك خارطة جديدة، ورغم "التناقض" الذي يطفو على سطح فجأة لكنها أكثر ترابطا فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمات الحالية، فزيارة الرئيس عباس إلى دمشق لا تحمل سوى جديدا واحدا متعلق بالظرف السياسي الناجم عن "الفراغ" الذي خلفه انكفاء الولايات المتحدة ولو لفترة... في المقابل فإن هذا الحدث يمكن ان يحمل معه احتمالات متعددة "مستقبلية" ومرتبطة بالحدث السوري تحديدا، فنحن أمام حوار في ظرف مختلف بين الفصائل، ولكنه ينتقل ما بين القاهرة ودمشق، دون أن يقدم مؤشرا على أن الحلول القادمة مختلفة بشكل جذري.

من الصعب اليوم تقديم احتمالات محددة في الحدث السوري، لكنه على الأقل يظهر في الإطار الذي يدفع نحو التفكير في المستقبل، فالصورة الذهنية يمكن تقديمها من جديد بعيدا عن "محور" الضغوط المستمر، وربما المتقلب منذ أكثر من ثماني سنوات، والأزمات ماتزال تراوح مكانها لكنها على الأقل تتفاعل اليوم نحو مجال جديد ربما سينحسر سريعا بعد الانتخابات الأمريكية!!!!