ثمة أشكالية في تعريف حدود الجولان، فهناك مصطلحات قيد التداول، لا يميز معظم الكتاب بين مفهوميهما، الأمر الذي يؤدي إلى تشوش كبير في المعطيات الخاصة بكل واحد منهما، وهما: إقليم/ منطقة الجولان، ومحافظة القنيطرة، ويعبر المصطلح الأول عن مفهوم جغرافي/ طبيعي، يستند إلى معايير جغرافية بحتة، في حين يعبر المصطلح الثاني عن مفهوم إداري، يستند إلى معايير سياسية، ويزداد الأمر تعقيداً مع اختلاف الجغرافيين حول حدود الجولان ومساحته.

تكمن الإشكالية في حدود ومساحة الأراضي التي تدخل ضمن مفهومي هذين المصطلحين، فحدود الجولان الجغرافي لا تتطابق تماماً مع حدود محافظة القنيطرة، وبالتالي تختلف كل المعطيات الخاصة بالمساحة، والتضاريس، والمناخ، وشبكة المياه، والديموغرافيا/ السكان، والإمكانات الاقتصادية، والطاقة الاستيعابية.

بالنسبة لمحافظة القنيطرة، تشترك حدود المحافظة مع كل من لبنان شمالاً، وفلسطين غرباً، والمملكة الأردنية الهاشمية جنوباً، ومحافظتي ريف دمشق ودرعا شرقاً، وهي حدود تتميز بحواجز طبيعية، حيث تشكل قمم الجزء الجنوبي الغربي لجبل الشيخ/ حرمون حدها الشمالي، ووادي الأردن حدها الغربي، ووادي اليرموك حدها الجنوبي، والحوض الأيسر لوادي الرقاد تغريباً، مع جزء من منطقة الجدور حدها الشرقي.

بالنسبة للجولان الجغرافي/ الطبيعي، اتفق الباحثون على الحدود الجنوبية، حيث اجمعوا على اعتبار وادي اليرموك هو الحد الجنوبي، بعد أن رأوا في هذا الوادي حداً نموذجياً بعمقه وعرضه، في الجزء الموازي من مجراه للجولان، إذ يتراوح عمقه في هذا الجزء بين (350-550)م، ويتراوح عرضه بين (2-4) كم.

واختلف هؤلاء حول الحدود الشمالية، والغربية، والشرقية، ففي الشمال اعتبر بعض الجغرافيين، ومنهم الدكتور أديب باغ، أن السفح الجنوبي، والجنوبي الشرقي لجبل الشيخ/ حرمون هو الحد الشمالي، في حين حدد بعضهم الآخر، ومنهم الدكتور عادل عبد السلام، هذه الحدود بخط اختلاف البنية الجيولوجية، بين كتلة حرمون، ذات الطبيعة الالتوائية- الصدعية، والصخور الكلسية، المتطبقة، المائلة، وبين الهضبة البازلتية/ الاندفاعية، الأحدث عمراً في الجولان، وهوخط تماس بين الكتلتين الرسوبية والبازلتية، ويكاد ينطبق على خط مجرى وادي سعار، الذي حفر مجراه بعمق واضح، وجوانب شديدة الانحدار، في مجرييه الأوسط والأدنى.

في الغرب، هناك إجماع على اعتبار وادي الأردن هو الحد الغربي للجولان، غير أن عبارة وادي الأردن عبارة غامضة، تثير إشكاليات كبيرة، على خلفية الأبعاد السياسية لهذا الوادي، ولا يمكن الاكتفاء بهذه العبارة، أي وادي الأردن دون الدخول في التفاصيل، فعلى سبيل المثال: هل يسير خط الحدود مع أعالي منحدرات وجروف الجولان الغربي، المشرفة على الوادي، أم يسير مع خط تماس أسافل هذه الجروف مع سهل الحولة، وسرير نهر الأردن، وسهل البطيحة، وامتداد على طول الشريط الساحلي الشرقي لبحيرة طبرية، وصولاً إلى مثلث الأردن- اليروك، أم يسير بالتطابق مع الخط المنصف لسرير نهر الأردن، وامتداده المنصف لسهل الحولة في الشمال، وبحيرة طبرية في الجنوب..؟!

جغرافياً، تأتي إشكالية الحدود الغربية للجولان الطبيعي، من اعتبار وادي الأردن وحدة جغرافية خاصة في إطار الانهدام السوري- الأفريقي، تتميز عن الجوار السوري/ الجولان، والفسلطيني/ الجليل، بعامل الارتفاع، إذ ينحدر هذا الوادي من ارتفاع (+200م) عن سطح البحر، عند نقطة التقاء الحدود السورية- اللبنانية- الفلسطينية، إلى ارتفاع (70)م في المساحة التي كانت تغطيها بحيرة الحولة قبل تجفيفها، إلى (-212)م في بحيرة طبرية، وإلى (-235)م عند التقاء الأردن واليرموك، إضافة إلى عوامل التضاريس، والمناخ، والتربة، والشبكة المائية، والنبات والحيوان، فهذا الوادي غور منخفض، يتميز بفروقات مناخية عن منطقتي الجليل والجولان، كما يتميز بتربة لحقية تراكمية، وبشبكة مائية معقدة، تتمثل في أقنية مائية متشابكة، ومستنقعات، تحصر جزراً صغيرة من الأرض.

وقد تناول الدكتور عادل عبد السلام هذا الموضوع بشيء من التفصيل، فأوضح أن خط الحدود الغربية للجولان الطبيعي، يسير أسفل، وحضيض الجروف، وشدد على أنها لا تسير على حوافها العليا، وأدخل الشريط الضيق من أقدام هذه الجروف ضمن الجولان الجغرافي/ الطبيعي، واعتبر كامل سهل البطيحة جزءاً من الجولان الطبيعي.

وفي الشرق، شكلت الحدود الشرقية للجولان الطبيعي مثار خلاف كبير بين الجغرافيين، فالأب آبل يرى في منطقتي الجدور في الشمال، والنقرة في الجنوب كحدود شرقية بين الجولان وحوران، في حين اعتبر الجغرافي ووسو نهر الرقاد هو الحد الشرقي، وحدد الدكتور عادل عبد السلام هذه الحدود بوادي الرقاد، وقال أن هذا الوادي يرسم الحدود الشرقية للجولان، من بداياته عند بلدة جباتا الخشب في الشمال، وحتى مصبه في نهر اليرموك في الجنوب.

وذهب الدكتور باغ إلى أن المجرى القديم لنهر الرقاد هو الحد الشرقي للجولان، فض بذلك الجزء الجنوبي الغربي من منطقة وادي العجم إلى الجولان، إضافة إلى ما يعرف بالزوية الشرقية في الجنوب، واستند في رأيه إلى الطبيعة البركانية/ البازلتية لضمور منطقة الجدور في الشمال، ومناخها، وعزز رأيه بفرضية تقول أن مجرى مياه الجزء الأعلى لنهر الرقاد انحرف نحو الشرق، نتيجة تشكل الوعرة في هذه المنطقة، في الحقب الجيولوجي الرابع، مما أدى إلى تحول مجرى المياه إلى نهر الأعوج، ما عزز رأيه في الجنوب بفرضية تقول أن نهر الرقاد تعرض لعملية أسر نهري في مجراه الأدنى، قام بها وادي التيم، الذي يشكل الآن المجرى الأدنى للرقاد، وشدد على اعتبار نهر العلان هو الحد الشرقي للجولان.

وبدورنا، تتفق مع القائلين بوادي اليرموك حداً جنوبياً، ووصولاً إلى سرير النهر، وتتجاوز في الشمال خط وادي سعار، لتضم إلى الجولان الطبيعي الحوض الأيمن لهذا الوادي، وتتجاوز في الغرب أسافل الجروف وحضيضها، لنصل إلى سرير نهر الأردن، وامتداد خط منصفه شمالاً في سهل الحولة، وجنوباً في بحيرة طبرية، وحتى نقطة التقاء الأردن واليرموك، فقد قسم نهر الأردن وادي الأردن إلى قسمين، شرقي يتواصل مع الجولان، وغربي يتواصل مع الجليل، ويشغل الجولان معظم مساحة الحوض الشرقي/ الأيسر لهذا الوادي، إضافة إلى ما هو مشترك جغرافياً بين الجولان والجزء الشرقي لوادي الأردن.

ونعتبر الحوض الأيسر لنهر العلان، ومنطقة الجيدور/ الجدور، وصولاً إلى سعسع، ودير ماكر، والجابية ضمن الجولان، وذلك استناداً إلى ما يلي:

أ- العامل الجغرافي:

وتقصد عامل البنية والصخور، والمناخ، فمن المعروف أن أي إنسان يتوجه من دمشق إلى القنيطرة، يحس بفرق الحرارة والرطوبة، فور وصوله إلى بلدة سعسع، ويلاحظ بجلاء طغيان طبقات الغطاء البازلتي، بعد خروجه من هذه البلدة مباشرة، وهو غطاء من منشأ جولاني، ويمتد حتى نهر الأعوج شمالاً ومعظم مساحة الحوض الأيسر لنهر العلان جنوباً ويتصل مع الغطاء البازلتي في عمق الجولان.

ب- العامل التاريخي:

عبر الشاعر حسان بن ثابت عن واقع، يؤكد أن موقع الجابية جزء من الجولان، حين قال: (بجابية الجولان وسط الأعاجم)، كما عبر الجراس عن هذا الواقع حين قال: (بجابية الجولان لولا ابن بحدل)، وكذلك وكذلك أكد جولانية الجابية كل من القرماني في أخبار الدول، والبغدادي في مراصد الاطلاع، وأوضح كل من المسعودي في مروج الذه، والبكري في معجم ما استعجم جولانية بلدة جاسم، كما أوضح كل من ياقوت الحموي في معجم البلدان، والقرماني في أخبار الدول جولانية بلدة عقربا.

واعتبر القدماء المجرى الأدنى لنهر العلان جزءاً من الجولان، حين أطلقوا اسم (سحم الجولان)، على الموقع الذي يحمل هذا الاسم، وهو موقع يقع على يسار نهر العلان، فالاسم (سحم الجولان) يؤكد تبعية هذا الموقع إلى الجولان، إضافة إلى أن مضلع الرقاد- اليرموك- العلان، عرف منذ القديم بالزوية الشرقية، تمييزاً عن الزوية الغربية في جنوبي الجولان، وتأكيداً على تبعية هذه المنطقة، (الزوية الشرقية) للجولان، كما أن خرائط العهد العثماني تمد الحدود الشرقية للجولان على هذه المناطق.

وفق ما تقدم، يمكن أن تحدد حدود الجولان الجغرافي/ الطبيعي على النحو الآتي:

 شمالاً: الحوض الأيمن لوادي سعار.

 جنوباً: الخط المنصف لسرير نهر اليرموك.

 غرباً: الخط المنصف لسرير نهر الأردن، وامتداد هذا الخط شمالاً في سهل الحولة، وجنوباً في بحيرة طبرية وما بعدها، حتى التقاء الأردن اليرموك.

 شرقاً: منطقة الجيدور/الجدور، والحوض الأيسر لنهر العلان وسياسياً، لم تعرف بلاد الشام قبل الحرب العالمية الأولى، الحدود السياسية، التي تمزقها الآن، فقد كانت منذ بدايات العهد الإسلامي، وحتى نهاية العهد اعثماني، والحكم العربي، وحدة سياسية تضم حدات إدارية، أملتها اعتبارات إقليمية، أو اجتماعية، تباينت طبيعتها من منطقة لأرى، باستثناء الفترات التي تعرضت فيها المنطقة لغزو أجنبي، أسفر عن ظهور حدود سياسية، سرعان مازالت مع نهاية الغزو والاحتلال، ويشار إلى أن حدود الوحدات الإدارية لم تكن ثابتة، فقد تعرضت للتغيير، بحسب الظروف وسلم الأولويات للسلطة الحاكمة.

وقد بدأت مسألة الحدود السياسية تظهر في بلاد الشام، وتأخذ أبعادها الكيانية، في ساحة التفاعلات السياسية- الاجتماعية، منذ أن أخذ الاستعمار الذي يتطلع إلى هذه المنطقة، وينفذ فيها مشاريع ومخططات تجزئة وتفتيت وحدة هذه البلاد، بما في ذلك المشروع الصهيوني، الذي جاء من رحم هذا الاستعمار، فحمل له بالضرورة كل خصائصه، وصفاته، في كل ما يتعلق بالمسألة العنصرية، التي وجدت في الموروث الثقافي اليهودي أرضاً خصبة، وتجسدت في أسوأ وأخطر أشكال الاستعمار وأنواعه، وهو الاستيطان الإحلالي، الذي مارسه الأوروبيون ضد الهنود الحمر في أمريكا، والروس ضد شعوب شمالي القفقاس.

وأخذت بلا الشام نشهد إشكاليات الحدود السياسية، بين أقاليمها، مع بداية تجسيد اتفاقية سايكس- بيكو- سازانوف، التي عرفت لاحقاً باتفاقية سايكس- بيكو، بعد أن اندلعت ثورة أكتوبر في روسيا، وقام النظام السوفييتي بالكشف عنها، والانسحاب منها، كوريثة لروسيا القيصرية.

أسفر تنفيذ هذه الاتفاقية عن تقسيم بلاد الشام إلى أربعة كيانات، هي: سورية، ولبنان، وفلسطين، وشرقي الأردن، وعن ظهور حدود سياسية بين هذه الكيانات، حددت الاتجاه العام لحدود منطقة الجولان، الشمالية، والغربية، والجنوبية، وفتح المجال واسعاً لمساومات بريطانية- فرنسية، حول الحدود السياسية بين سورية وفلسطين.

ولعبت الحركة الصهيونية دوراً كبيراً في هذه المساومات وتتأثر بها، لقد كان تنفيذ اتفاقية ساكيس- بيكو سازانوف بمثابة الخطوة العملية الأولى، على طريق تجسيد المشروع الصهيوني، ويمكن تقسيم المراحل التي مرت بها عملية (تحديد وترسيم خط الحدود السورية- الفلسطينية) إلى مرحلتين رئيسيتين، هما: مرحلة ما قبل قيام الكيان الصهيوني، ومرحلة ما بعد قيام هذا الكيان.

أ- المرحلة الأولى:

تمتد من بدايات الحركة الصهيونية، وحتى قيام الكيان الصهيوني، وجاءت اتفاقية سايكس- بيكو، في إطار المحاولات الرامية، إلى إيجاد موطن قدم للمشروع الصهيوني، يتم الاعتراف به دولياً، استناداً إلى وثائق دولية، من أهمها حدود الانتداب البريطاني لفلسطين، وقد سعت الحركة الصهيونية، منذ بداياته، إلى خلف أمر واقع، يمكن أن يساعد على فرض إملاءات، خاصة بحدود المشروع الصهيوني، ولجأت في هذا المجال، إلى توفير أهم مقومات قيام (الدولة) وهي عامل الأرض، وعامل الطاقة البشرية، وعامل الدعم الدولي.

قامت الحركة الصهيونية بمحاولات عديدة لكسب تأييد الامبراطورية العثمانية، ومارست ضغوطاً كبيرة على هذه الإمبراطورية، حين وقفت حجر عثرة على طريق المشروع الصهيوني، وحشدت كل إمكاناتها لإحقاق هذه الامبراطورية، ومن ثم سقوطها، كما عملت في الوقت نفسه على ضمان تبني دولة عظمى للمشروع الصهيوني، وطرفت في هذا السباق أبواب ألمانيا وفرنسا، حتى نجحت أخيراً في موافقة بريطانيا، على تبني هذا المشروع، وإصدار وعد بلفور.

أيضاً، ركزت هذه الحركة على تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وجوارها الشامي، وعملت في الوقت نفسه، على توفير أهم عناصر البنية التحتية للاستيطان، وهو الأرض، واعتمدت في هذا المجال أسلوبين في آن واحد، يتمثل الأول في الاستيلاء على الأراضي العربية بالقوة، في حين يتمثل الأسلوب الثاني في شراء الأراضي، وفق مخطط للدروس، يهدف إلى خلق قواعد انطلاق، من أجل السيطرة على المزيد من الأراضي العربية.

في مجال بحثنا، أي الجولان، لجأت هذه الحركة إلى أسلوب القوة، في الاستيلاء على الأراضي في منطقتين سوريتين، تقعان في وادي الأردن، تقع الأولى شرقي مخرج نهر الأردن من بحيرة طبرية، والثانية تقع في النصف الجنوبي من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية، وصولاً إلى المنطقة الأولى، فأقامت في المنطقة الأولى عدة مستوطنات منها وغانيا- أ، ودنمانيا-ب، كما أقامت في المنطقة الثانية مستوطنتين هما عين غيفا في موقع النقيب، وهاؤن في موقع السمرة، وبذلك تجاوزت الحركة الصهيونية نهر الأردن، وبحيرة طبرية، وفي دفع الحدود المحتملة في اتجاه الأراضي السورية.

واعتمدت في الوقت تنسه على أسلوب شراء الأراضي، في الحوض الشرقي لنهر الأردن، من أجل السيطرة على كامل هذا الحوض، وضمه لاحقاً إلى الكيان الصهيوني، وقررت في سياق برنامجها السياسي، والاستيطاني شراء مئات الآلاف من الدونمات، من الأراضي الواقعة إلى الشرق من نهر الأردن، منها نحو (390) ألف دونم في محافظتي القنيطرة وحوران، و (580) ألف دونم في مناطق عجلون والكرك، والسلط في المملكة الأردنية الهاشمية، غير أن جميع محاولات شراء للأراضي في شرقي نهر الأردن أخفقت، نتيجة الرفض العثماني والفرنسي للاستيطان الصهيوني (اليهودي) في هذه المناطق، ومقاومة أبناء هذه المناطق، وتعدي القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية السورية لهذه المشاريع.

لقد سعت الحركة الصهيونية إلى توسيع مساحة الانتداب البريطاني، وركزت في هذا المجال على عاملي الماء والأرض (كضرورة حياتية9 للمشروع الصهيوني، وراحت تضغط لإدخال نهر الأردن وكامل حوضه ضمن حدود هذا الانتداب، ونشرت جملة خرائط، تقع جميعها الجولان وحوران ضمن ما أسموه (أرض إسرائيل)، ولعل أهمها، لما لها من صفة رسمية، تلك التي تضمنتها مذكرة المنظمة الصهيونية العالمية إلى مؤتمر السلام، الذي انعقد في باريس في الثالث من شباط من عام 1919.

وفق اتفاقية سايكس- بيكو، دخلت بحيرة طبرية بالكامل، والجليل الأعلى، وجميع مصادر نهر الأردن ضمن حدود الجولان، فقد امتد خط الحدود، بموجب هذه الاتفاقية، من جنوبي رأس الناقورة، وعلى شكل خط مستقيم، إلى مصب نهر الأردن في بحيرة طبرية، ومن هناك سار الخط بمحاذاة الشاطئ الغربي للبحيرة، ومع مجرى نهر الأردن من نقطة خروجه من بحيرة طبرية، وحتى التقائه نهر اليرموك.

لاحقاً، تعرض خط سايكس- بيكو لتعديلات عدة، على خلفية تقاطع المصالح الفرنسية والبريطانية في المنطقة والعالم، وتمت ضغط الحركة الصهيونية، وشهدت المساومات الفرنسية- البريطانية حول هذا الموضوع عدة اقتراحات، وتعديلات، وتفاهمات، إلى أن توصل الطرفان يوم السابع من آذار من عام 1923، إلى اتفاقية عرفت باتفاقية نيوكامب- بولييه، رسم بموجبها خط الحدود، ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في نيسان من عام 1924، وتم تعديلها في عام 1926 تحت اسم (اتفاقية حسن الجوار)، ووافقت عصبة الأمم المتحدة على الاتفاقية في عام 1934، وعرفت هذه الحدود اصطلاحاً بالحدود الدولية.

وفق آخر التعديلات، يبدأ خط الحدود من الجنوب، من الحمة (داخل فلسطين)، ومن هناك يسير باتجاه مخرج وادي اليرموك، وفي نهايته يتجه شمالاً على بعد (1-2) كم شرق بحيرة طبرية، ماراً بنقاط الحدود (70-69-68-67) ثم عمرة عز الدين، فالنقطة (66)، ثم كفر حارب، فالنقاط (65-64-63-62) وينحرف من النقطة الأخيرة باتجاه شمال غرب حتى ضفة البحيرة، تقريباً في منتصف المسافة بين النقيب العربية في الجنوب والسورية في الشمال، وفي النقطة (61)، ومن هناك يسير بموازاة ضفة البحيرة، وعلى بعد عشرة أمتار من منسوب الماء، وحتى مصب نهر الأردن في البحيرة.

ويتابع شمالاً، متدفقاً مع نهر الأردن، وتاركاً النهر لفلسطين، حتى موقع الطواحين تقريباً، ومن هذا الموقع يسير شمالاً وبشكل مستقيم، وموازياً نهر الأردن، ثم يتعرج بمحاذاة الحافة الجرفية، ويمر شرقي جسر بنات يعقوب (داخل فلسطين)، وغربي جليبينة (سورية)، ثم يتجه شمالاً بشرق، فشمالاً بغرب فشمالاً حتى تل العزيزيات (سوري)، ويمتد من هذا التل نحو الشمال الشرقي مشكلاً لساناً تقع عند نهايته بانياس (السورية)، ويتابع من هناك نحو الغرب ماراً بتل القاضي، ونهر الحاصباني، حيث يشكل نقطة التقاء الحدود السورية- اللبنانية- الفلسطينية.

ويلاحظ من استعراض جملة الاقتراحات، التي تناولت مسألة الحدود السورية- الفلسطينية، والتفاهمات والاتفاقيات، التي تمت بين الطرفين الفرنسي والبريطاني، أن بحيرة طبرية ومصادر نهر الأردن شكلت أهم النقاط الجغرافية، في مسألة الحدود السورية- الفلسطينية، الأمر الذي يؤكد أهمية هذه البحيرة ومصادر نهر الأردن، ولعل حاييم وايزمن كان الأوضح في التعبير عن مدى الاهتمام الصهيوني بالماء، فقد انطلق في رسم السياسة الصهيونية العليا، من مقولة اختصرها في أن (من يملك الماء، يملك الأرض).

لقد تغيرت تبعية بحيرة طبرية، من اتفاقية لأخرى، ففي اتفاقية سايكس- بيكو في عام 1916، حصلت سورية على كامل البحيرة، في حين أصبحت البحيرة بكاملها داخل حدود فلسطين، بموجب اتفاقية لوبدر كليمانصو في 15/9/1919 وعادت وحصلت سورية على جزء من البحيرة، في معاهدة سان ريمو في 24 نيسان/ 1920، كما أعطت الاتفاقية المؤقتة بين فرنسا وبريطانيا، في شهر تشرين الأول من عام 1920 النصف الشرقي من البحيرة إلى سورية، وتقلصت حصة سورية وفق معاهدة باريس في 23 كانون الأول من عام 1920، إلى ثلث البحيرة تقريباً، فقد امتد خط الحدود من سمخ في جنوبي البحيرة، إلى مصب وادي المسعدية في البحيرة، أما اتفاقية 1923 فقد أعطت البحيرة بالكامل لفلسطين.

يؤكد ما تقدم جملة حقائق، تحمل دلالات هامة، ويمكن إيجازها على النحو الىتي:

أهمية البحيرة:

تشكل بحيرة طبرية مع حوضها خزاناً مائياً كبيراً، في منطقة تعاني من قلة المياه عموماً، كما تشكل منطقة سياحية زبدة من نوعها، بما تتميز هذه المنطقة من انخفاض عن مستوى سطح البحر، ومناخ معتدل دافئ، ومعالم طبيعية، وجغرافية، وآثارية، ومن مكانة هذه المنطقة في الموروث الثقافي، ولاسيما المسيحي.

الموقف البريطاني:

حرصت بريطانيا على ضم البحيرة إلى فلسطين، وتعود أسباب هذا الحرص ودوافعه بالدرجة الأولى، إلى التبني البريطاني للمشروع الصهييوني، على قاعدة المصالح البريطانية الصهيونية المشتركة.

غلبة المصالح على المعايير العلمية:

في العادة، ثمة معايير طبيعية، ومائية، وديموغرافية، واثنية واقتصادية تؤخذ في عين الاعتبار، في أية عملية لتحديد حدود مابين دولتين، وقد تجاوزت بريطانيا جميع هذه المعايير، وأصرت فقط على معيار المصالح الصهيونية، وكذلك لم تأخذ فرنسا بهذه المعايير، وخضعت لإملاءات مصالحها.

استبعاد أهل الشأن من العملية

استفردت بريطانيا وفرنسا في تحديد الحدود ورسمها، وهما دولتان انتدابيتان، لا تملكان أي حق شرعي في تجزئة البلاد، وفي فرض حدود سياسية بين أقاليمها، وغيبتا بشكل كامل أصحاب الأرض الشرعيين، عن عمليات التحديد والترسيم.

الحق الطبيعي لسورية:

يوضح استعراض الاتفاقيات الخاصة بالحدود السورية- الفلسطينية، أن سورية حصلت على جزء من بحيرة طبرية، في أربع اتفاقيات، من أصل ستة، وفي هذا أكبر دليل على اعتراف الجانبين البريطاني والفرنسي، بمن سورية الطبيعي في هذه البحيرة، وعلى الدور الصهيوني في محاولات استبعاد هذا الحق.

ويشار هنا إلى أن العامل الجغرافي/ الطبيعي يعتبر من أقوى العوامل، التي تؤخذ في عين الاعتبار في عمليات تحديد الحدود ورسمها، وبعد وادي/ غور الأردن وحدة طبيعية متكاملة، ومشتركة بين سورية وفلسطين، وهذا يستدعي منطقياً مناصفة وادي الأردن، إذا كان لابد من رسم حدود سياسية بينهما، أي أن يمر خط الحدود في منتصف سرير نهر الأردن، وامتداده شمالاً من الحدود السورية- اللبنانية، وجنوباً في منتصف بحيرة طبرية، ومن ثم في منتصف سربر نهر الأردن بعد خروجه من بحيرة طبرية، وحتى التقائه نهر اليرموك. لقد اعتمدت الدول خط تقسيم المياه في المناطق الحدودية كحدود بين الدول، وبناء عليه يجب أن يكون الخط المنصف سري أي نهر حدودي، أو بحيرة حدودية هو خط الحدود.

تعتبر اتفاقية 1923، وتعديلاته اللاحقة أهم هذه الاتفاقيات، فقد حظيت بـ (صفة شرعية دولية)، حين صادفت عليها عصبة الأمم في عام 1934، وننص هذه الاتفاقية على بندين، لا يخلو أن من المغزى والدلالة، وهما:

 يمر خط الحدود على مسافة عشرة أمتار من الضفة الشمالية الشرقية لبحيرة طبرية، وهذا يعني حرمان سورية من أية سيادة على البحيرة، وقد خلق هذا النص أشكالية كبيرة، حين ربط خط الحدود بمنسوب الماء في البحيرة، بدلاً من ربطه بالطبوغرافية، الأمر الذي أوجد حالة من عدم ثبات الحدود، حيث يتغير موقع هذا الخط، في اتجاهي الشرق والغرب، بحسب منسوب الماء في البحيرة، إذ يتقدم الخط شرقاً مع ارتفاع المنسوب، ويتراجع غرباً مع تراجعه، لقد عرف التاريخ حالات انتقال خط الحدود في اتجاه واحد، نتيجة عوامل الحت، لكنه لم يعرف انتقالاً ناقوسياً في اتجاهين متعاكسين.

 تعطي الاتفاقية لسورية في الوقت نفسه حق استغلال بحيرة طبرية في مجالي الملاحة والصيد.

يعتبر هذان البندان حالة فريدة، لما فيهما من تناقض بين حق السيادة وحق الاستثمار، فهل جاءت هذه الحالة مصادفة، أم جاءت عن سابق تصميم..؟!

يعكس التأكيد في الاتفاقية على حق الاستثمار لسورية اعترافاً بحقها في البحيرة، في حين يعكس التأكيد على حرمان سورية من حق السيادة، على أي جزء من البحيرة توجهاً بريطانياً لإعطاء إسرائيل لاحقاً حق السيادة على كامل البحيرة، كما تعكس الأطماع الصهيونية في مياه البحيرة، والتواطؤ البريطاني مع الحركة الصهيونية، وقد كشفت الأيام لاحقاً النوايا الصهيونية، حيث حاولت إسرائيل حرمان سورية من ممارسة حق الصيد والملاحة في البحيرة، تحت ذريعة السيادة الإسرائيلية على كامل البحيرة. لقد عملت بريطانيا على خلق حالة، يمكن أن تكون مجال مواجهة مسلحة.

ب- المرحلة الثانية، وتمتد من قيام الكيان الصهيوني وحتى الآن:

خلال حرب عام 1948، حقق الجيش العربي السوري انتصارات كبيرة في مختلف المعارك التي خاضها ضد القوات الصهيونية، وتمكن من اجتياز خط ما عرف بالحدود الدولية، ومن تحرير مساحات في غربي هذا الخط، ولاسيما في مناطق بانياس، وكعوش، والبطيحة، وسمخ، وأسفرت ه1ذه الحرب عن اتفاقية هدنة، وقفت يوم 20 تموز 1949، وقد نصت المادة (2-2) من هذه الاتفاقية، على أن الاعتبارات العسكرية حصراً، هي التي أملت خط الهدنة، وليست الاعتبارات السياسية، وحددت مناطق مجردة من السلاح، تتراوح مساحتها بحسب المصادر، مابين (44.4) سم2 و (66.5) كم2، غير أن إسرائيل خرقت هذه الاتفاقية، واحتلت لاحقاً نحو (44)كم2 من هذه المناطق، وتمكن الجيش العربي السوري من لجم المحاولات الإسرائيلية، الرامية إلى احتلال كامل المناطق المجردة.

وفرض الأمر الواقع خطاً، عرف بخط الرابع من حزيران، خلال الفترة الممتدة من التوقيع على اتفاقية الهدنة، وحتى الرابع من حزيران من عام 1967، وهو خط يتطابق مع خط ماء بالحدود الدولية، في بعض المناطق/ الأجزاء، ويتجاوزه غرباً في أجزاء أخرى، واحتفظت سورية بحقها في ضم المناطق المجردة، التي تمكنت من إنقاذها، بعد أن احتلت إسرائيل الجزء الأكبر من هذه المناطق.

وفق خط الرابع من حزيران، أصبح لسان الحمة جزءاً من الجولان، إضافة إلى مساحة صغيرة جنوب غرب بانياس، وأخرى تقع إلى الغرب من مصب نهر الأردن في بحيرة طبرية، واستعادت سورية على امتداد الشاطئ الشمالي الشرقي للبحيرة، وحددت لنفسها مياهاً إقليمية داخل البحيرة، تمتد عمقاً مسافة (250)م، وذلك في إطار حقها الطبيعي، ووفق اتفاقية عام 1923، التي أعطت لها حق الملاحة والصيد في البحيرة.

تطالب إسرائيل بتطبيق ما يخدمها في اتفاقية عام 1923، ولا تعترف بالحقوق التي منحتها هذه الاتفاقية لسورية، ولاسيما في بحيرة طبرية، علماً أن هذه الاتفاقية غير مقبولة سورياً، لما فيها من إجحاف بحقوقها، ونطالب سورية بخط الرابع من حزيران من عام 1967، في إطار الحد الأدنى من حقها الطبيعي، في كامل النصف الشرقي لوادي الأردن، وتشدد على حقها الطبيعي في بحيرة طبرية، بما فيها السيادة الكاملة على الشاطئ الشمالي الشرقي للبحيرة، بما فيها حق الاستثمار.

وفي الشمال، تحدد خط الحدود السورية- اللبنانية، بموجب ثلاثة قرارات، أصدرها المندوب السامي الفرنسي، الجنرال غورو في عام 1920، وتحمل الأرقام (199-318-320)، وتنص على تشكيل (دولة لبنان الكبير)، بضم مناطق من ولاية سورية العثمانية، منها قضاء حاصبيا.

تم التأكيد لاحقاً في الدستور اللبناني، على أن خط الحدود السورية- اللبنانية في جبل الشيخ/ حرمون، هو خط (مقلب المياه) في هذه المنطقة، أي خط تقسيم المياه.

رابعاً- المساحة

تبلغ مساحة محافظة القنيطرة (1860)كم2، أما مساحة الجولان الجغرافي (الطبيعي)، فقد قدرها الدكتور باغ بحوالي (2141) كم2، في حين قدرها الدكتور عبد السلام بحوالي (1800)كم2، وبذلك نجد أن مساحة المحافظة أصغر من المساحة التي حددها الدكتور باغ للجولان الجغرافي بحوالي (281)كم2، وأكبر من المساحة التي حددها الدكتور عبد السلام بحوالي (60)كم2، كما نجد أن المساحة التي قدرها الدكتور باغ أكبر من المساحة التي قدرها الدكتور عبد السلام بحوالي (341)كم2، وتقدر مساحة الجولان الجغرافي، وفق الإطار الذي حددناه آنفاً في حدود (2300) كم2.

مصادر ومراجع

د. عادل عبد السلام (جغرافية الجولان- أهمية الموقع) من محاضرات ندوة الجولان التاريخية، التي انعقدت خلال الفترة من 27-6-1-7/1987.

د. أديب باغ (الجولان، دراسة في الجغرافية الإقليمية) ترجمة د. يوسف خوري، ود. محمد حرب فرزات، ود. عبد الرحمن حميدة، و د. محمود رمزي- منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق- 1984.

غوتليب شوماخر (الجولان)- لندن 1888- ترجمة منير كنعان- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق.

تيسير خلف (صورة الجولان في التراث الجغرافي العربي- الإسلامي) قدمس للنشر والتوزيع- دمشق- 2004.

الموسوعة الفلسطينية- ج2 ص 589 و 503، ويوسف بيرتس (دغانيا-أ)، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق، وكذلك نسفي ايلان، تطلعات الاستيطان اليهودي في شرقي نهر الأردن، خلال الفترة 1871-1947، القدس 1985- ترجمة أسعد نصرت- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق.

نكدبمون روغل (الأهداف الإقليمية للحركة الصهيونية- جغرافية صهيونية) مجلة كيغونيم- خريف 1986- العدد (33)- ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق، وكذلك م.س إيلان.

مارتن جلبرت (تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي في خرائط) لندن 1976 ص 18- باللغة الإنكليزية.

وحول الحدود السورية- الفلسطينية، راجع:

د. عادل عبد السلام (جغرافية سورية الإقليمية- القسم الأول) جامعة دمشق 1981-1982 ص 8-24.

محمد محمود الديب (حدود فلسطين، دراسة تحليلية لوثائق الانتداب) القاهرة- معهد البحوث والدراسات العربية- 1979.

ج- إبراهيم نصار (حدود فلسطين والمخططات الاستعمارية الصهيونية) مجلة صوت فلسطين- العدد (205) شباط 1985.

د- بدفاليفني (الجولان، عشرون عاماً حتى عام الألفين) معهد دراسات الجولان- كاتسرين 1989- ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق ص112-124.

هـ- موشي برافر (حدود أرض إسرائيل، في الماضي والحاضر والمستقبل، الجوانب السياسية والجغرافية) ترجمة بدر عقيلي- عمان- دار الجليل- 1990.

و- إبراهيم عبد الكريم (حدود فلسطين مع سورية ولبنان) المنارة- بيروت 1998-1999.

 أرشيف مكتبة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق، ولاسيما:

ألوف بن- هآرتس 24/4/1995 و 29/5/1995 و 3/5/1995.

شكيرا حودشيت- تشرين الثاني 1988 ص 15.

بوغر فختل- هآرتس 19/5/1995.

زئيدمن شيف- هآرتس 20/5/1995.

شمعون شيفر- يديعوت أحرونوت 9/9/1995.

تسقي ابلان أرض الجولان، دليل الجوال وصاحب الاهتمام) دار عام عوفيد- تل أبيب 1980، ترجمة أسعد نصرت- مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق ص 145-146.

 منيف الخطيب (مزارع شبعا، حقائق وأرقام) شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- بيروت- 2001 ص 29 و 74 و 75.

مصادر
سورية الغد (دمشق)