لم ننس بعد حجم التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير من بيروت ومن القاهرة ومن عواصم أخرى، لكنه اليوم يعود وبشكل سريع نحو موقع آخر مرتبط أساسا بما حدث في جورجيا ويؤجل زيارته إلى "إسرائيل"، وبالطبع فإن جدية مثل هذا الموقف لن تنعكس باتجاه "آليات" خاصة ليس لأن تصرفات كوشنير تأتي خارج السياق للسياسة الأوروبية، بل أيضا لأن نوعية العلاقات الدولية تجاه "إسرائيل" لها صورتها "الافتراضية"، فما حدث في جورجيا هو زاوية خاصة لا علاقة لها بـ"المساحة الإسرائيلية" التي تظهر دائما داخل الأزمات.

ووزير الخارجية الفرنسي هو اليوم بصدد البحث داخل العلاقات السورية – الفرنسي، فزيارته كان من المفترض أن تحمل طابعا إقليميا لأبعد الحدود، لكنها في نفس الوقت تريد رسم المراحل التنفيذية لصورة العلاقة بين دمشق وباريس، فكيف سيبدو الموقف الفرنسي تجاه "إسرائيل" داخل هذه المسألة؟!! وإذا كان من المستبعد ظهور "فتور" في العلاقة الفرنسية – "الإسرائيلية" فما هي الفائدة التي يمكن أن تظهر نتيجة إطلاق المواقف؟!!

في الصورة الأولى تيدو العلاقة الفرنسية – السورية ببعدها الجديد مساحة داخل لعبة التوازنات في الشرق الأوسط، فبغض النظر عن "ثنائية" هذه العلاقة لكنها في نفس الوقت تملك "خاصية" التنقل بين دول المنطقة، وذلك على عكس العلاقة مع الولايات المتحدة التي قامت سلفا بفرز المواقف كنتيجة مباشر لوجودها العسكري في العراق، فما سيحدث بين دمشق وباريس مرتبط أساسا بكل أزمات المنطقة وفق خطين:

الأول هو إتاحة المجال للدور الأوربي بشكل العام للتعامل مباشرة مع "الدول المحظورة" أمريكيا، فتواجد كوشنير في دمشق هو في النهاية سيفتح مساحة سياسية بدلا من التوتر أو الضغط السياسي الذي كان سائدا قبل عدة أسهر.

الثاني بلورة رؤية لتقاطع الأزمات، فرغم ان الدور الأمريكي مازال الأكثر حضورا في الشرق الأوسط، لكنه في نفس الوقت يملك عددا من "الإرباكات" وعلى الأخص في مناطق الأزمات المشتعلة سواء في العراق أو في فلسطين، فباريس لن "تسد فراغا" دوليا في المنطقة إنما ستتعامل مع "محيط الأزمة" القائمة، وهو شأن يساعد على الحد من انتشارها على الأقل.

بالطبع فإن كل البوادر التي شهدناها خلال الأشهر الماضية لم تخلق حتى اللحظة تحولا إقليميا، والخطورة الحقيقية هي في نوعية "الأدوار" الدولية التي أصبحت مهتزة وافتقدت أيضا للأبعاد السياسية، وهو ما جعل المراقبين يربطون تتابع الأحداث من العراق باتجاه روسيا على أنه تسلسل منطقي لعدم القدرة على التحكم بالأزمة، فالولايات المتحدة لم تعد تملك سوى آلية واحدة تم تطبيقها في الشرق الأوسط منذ احتلال العراق وحتى عام 2006، ثم اعادت إنتاجها في أوروسيا" من جيد عبر الأزمة الحالية والدعم الذي تم تقديمه لجورجيا، ويظهر الدور الفرنسي في المنطقتين وكأنه يلامس المساحات المفقودة لكنه بلا شك ليس قادرا في هذا الظرف بالذات على الدخول إلى "عمق" الأزمة.

مصادر
سورية الغد (دمشق)