المسألة ليست في "المباحثات" غير المباشرة مع "إسرائيل" فالطريق السياسي يبقى المساحة الأساسية للتعامل مع موضوع يحمل الكثير من التشابك رغم أن عنوانه الأساسية يبدو سهلا لأنه يلامس حقوقا تحاصرها "إسرائيل"، لكن الدخول في "السلام" سيظهر على مساحة من "الإخفاق" الاستراتيجي للنظام العربي، لأن السباق الدولي نحو الحديث عنه يقوم ضمن ظرف محدد مرتبط أساسا بأزمة لم تعد "إسرائيل" فقط جزء منها بل أيضا من ضمن آلياتها، فـ"السلام" مع توفر شروطه المعروفة بـ"العادل والشامل" سيظهر ضمن عدم توازن واضح للجغرافية – السياسية في الشرق الأوسط.

وعندما تظهر آليات سياسية خارجة عن المألوف في التعامل مع السلام عبر الوسيط التركي، فإنها تعكس الواقع الذي تأسست عليه عملية التسوية طوال المرحلة السابقة لأنه قامت على مراحل لا يربطها إستراتيجية متكاملة بل تتحرك على ممكنات التي توفرها الجبهات التقليدية للصراع العربي – الإسرائيلي، فالتسوية أنتجت "اتفاقيات" تتعامل مع "محاور" في الصراع، بينما تعمقت الأزمة داخل الشرق الأوسط عموما وأنتجت "آليات" أخرى للصراع، وهو ما جعل "حقبة السلام" التي امتدت منذ أوائل التسعينيات حتى اليوم الأكثر "عنفا" رغم "هدوء الجبهات العسكرية.

عمليا فإن التشكيل السياسي لأي تسوية مرتقبة تتم وفق سياق إقليمي وليس عربي، بعد أن بقيت "الآليات العربية" التي أنتجت المبادرة العربية للسلام غارقة في "تنافس" الأدوار خارج مساحة الصراع، ووفق هذه الصورة كان من الصعب اختبار هذه المبادرة التي انتهت واقعيا بعد حرب تموز رغم إصرار النظام العربي عليها، وربما لهذا الأمر ظهر التحرك الإقليمي باتجاه التسوية ومن "دافع" درء المخاطر أكثر من كونه تكريس لاتجاه جديد في البحث عن السلام، فتركية تدرك تماما أن الوسائل التي تملكها لا تقود نحو تماسك عملية "المباحثات" لتصل إلى نتاج يمكن اعتبارها مرحلة جديدة، لكنها أيضا تتعامل مع هذا الموضوع على أنه طريق سيؤدي على الأقل إلى تجميد العديد من النتائج التي ظهرت بعد "احتلال العراق" وبالتالي فإنها ستستطيع من خلاله التعامل مع أمرين:

 الأول طبيعة دورها الإقليمي الذي تبدل بشكل كامل بعد احتلال العراق، لأنها لم تعد تواجه أزمة تقليدية مع الشأن الكردي الذي أصبح ضمن التركيب الخاص بالعراق المحتل، وهي بحاجة لأوراق إضافية إقليميا تضمن لها على الأقل "حياد" الشأن الكردي وعدم "تمدده" لداخل أراضيها، ودور انقرة اليوم كنقطة لقاء سياسي لأطراف الصراع العربي – الإسرائيلي، إضافة لدخول العامل الفرنسي الذي يعتبر "عقدة" بالنسبة لتركية سيساعدها مستقبلا على إدارة ما ستواجهه سواء في مستقبل العراق بعد الاحتلال، أو حتى في باقي علاقاتها الإقليمية.

 الثاني مرتبط ببعدها الأوروبي الذي بقي معلقا ورغم جهودها الطويلة لم تستطع ان تصبح ضمن "الاتحاد" وهو ما يدفعها لتصبح لاعبا إقليميا أساسيا حتى باتجا أوروسيا مما يكسبها موقعا جيوسياسيا يعيد الاعتبار لأهمية دخولها ضمن "الاتحاد الأوروبي.

ورغم أن الأطراف الإقليمية تؤكد على ضرورة الدور الأمريكي على الخص في مرحلة "المفاوضات المباشر"، لكن "السلام الخطر" يبقى في انتقال "عملية التسوية" جغرافيا باتجاه الجبهة السورية أو حتى نحو الأراضي الفلسطينية في ظل تكسر المعادلة الأساسية لـ"هوية" هذا الصراع، فعملية التسوية لا تحتاج لغطاء دولي أو عربي بل لنقطة إستراتيجية يمكن أن ترتكز عليها عملية استرجاع الحقوق المحاصرة من "إسرائيل" أو من "قرارات مجلس الأمن" أو حتى من "التوازنات الإقليمية" والدولية.