أنفض الغبار عن القضايا التي اعتقدت أنها أصبحت تراثا، فعندما نعود لعمل المرأة أدرك أننا دخلنا متاهة مغلقة، تجعلنا نلتف حول أنفسنا ثم نغرق في متاهة الإحصاءات، وكأننا نهوى البحث عن صور قديمة لثقافة الهجاء أو ركوب الجمال في الصحراء التي أدمناها، فالمسألة تقفز أمامي من مساحة المعقول إلى عالم من الخيال حيث الأنثى خيال يمر من أمام الجميع وكأنه سحر يطير فوق الرؤوس ثم يصبح سرابا.

المشكلة أن العمل يخرج من إطار الجنس فهو يدخل في عمق تكوين الثقافة الاجتماعية، وعندما نرجع لقضية قديمة فإنها تكشف "زيف" العمل المستمر منذ الاستقلال بشأن "حرية المرأة" التي عاشت أمواجا لا علاقة لها بقناعة الناس بل بحكم الظروف التي كانت تسير وفق مزاجية اجتماعية غريبة، فهل نستطيع تصحيح "معادلة" الإنتاج والحديث عن "الأنثى" و "الذكر" المنتجين؟!!!

وفي الصور المتلاحقة لمسألة العمل حالة تبدو غريبة، لأننا كنا قادرات على "اقتحام" المؤسسات" لكن الشكل الثقافي الذي يرسم "الأنثى" لم يتغير، فهو نقل في كثير من الأحيان صورة المنزل إلى "الدوائر" الحكومية أو صالات المعامل، بينما كانت "القضية" تصغر ليصبح العمل شكلاً يمكن لكل أصحاب التراث التحدث عنه أو المباهاة بأن عمل "الأنثى" "جائز" ولكن بشروط، وهي في النهاية شروط على العقل الاجتماعي الذي كان قادر على تقبل دخول المرأة إلى "النشاط" العام لكنه لم يتآلف مع ذاتها الأنثوية التي بقيت في مقولة "ناقصات عقل ودين".....

وسواء كانت الأنثى مظلومة لأنها منبوذة من "سوق العمل" أو كانت ظالمة لأنها تشكل "طريقة الإنتاج" على نموذج نمطي، فإن المسألة تتجاوز التفاصيل إلى نوعية التحول الثقافي القادر على التعامل مع "الإنتاج" وليس إيجاد الوظائف الشاغرة، فالعمل في النهاية ليس إجراء نمارسه لكسب لقمة العيش فقط بل هو أيضا "شخصيتنا" والصورة الذهنية التي تشكلنا في أذهان الآخرين.

هناك من يظلم الأنثى بابعادها عن العمل، والباب الواسع الذي فتح قبل عقود كي تصبح الأنثى منتجة ربما أغلق جزئيا بعد أن انتهت المعادلة القديمة لـ"كلية" حرية المرأة، وبعد أن تحولت الأنثى إلى "علاقات عامة" وشكلاً يمكن قبوله بغض النظر عن قدرته على الإنتاج، وربما الأهم عندما اقتنعت الأنثى بأن عملها أمراً واقعاً وأنها يجب أن تصبح في دائرة خاصة لأنها تعمل.

عمل الأنثى أو تعلمها... حريتها أو كبتها... انطلاقها أو توقفها عند حدود الصورة النمطية التي تكرسها "الدراما الرمضانية".... إنها ثرثرة ستبقى تطفو على سطح حياتنا طالما بقي قرارنا الجلوس وانتظار الفرج.....