في خريف هذا العام سوف تعلن الشركة الظبيانية (امجينيشن) المعنية بالإنتاج الفني شراكتها مع الشركة الأمريكانية (بارتيسيبنت) المعنية بالإنتاج السينمائي التي أنتجت أفلاما مثل "سيريانا " لجورج كلوني و "دارفور ناو"، مبدئيا تدخل الشركة الظبيانية بمبلغ 250 مليون دولار للاشتراك في إنتاج 15 فيلما سينمائيا خلال خمس سنوات قادمة ، من يتأمل هذا المبلغ بغض النظر عن تفاصيل الاتفاق التي لا نعرف عنها شيئا، يفكر في مسألتين:

 الأولى أن الشركة الأميركية لم تتهاوى وتركع أمام سطوة الأموال، فهذا المبلغ للتمويل فقط وليس إلا … أي انه مجرد مبلغ لا يمكن مقارنته لا بالنجاح ولا بالخبرة المتراكمة ولا بالاختصاص لذلك تبدو المشاركة هي مشاركة بالأرباح وليس بالإبداع لأنه رأسمال الشركة الأميركية الحقيقي والالتزام بالزمن (خمس سنوات) يفضي إلى وجود خطة وليس مجرد أضرب واهرب.

 الثانية : أن الرأسمال الكبير هذا لم يوظف في سينما عربية أو درامة تلفزيونية لسبب بسيط هوان هذه "الأشياء" هي في "الجيب" وبأرخص الأسعار لأنها تنتمي إلى نوعيات منخفضة من جهة وكثيرة العرض من جهة ثانية ويمكن شراؤها او تفصيلها بالقطعة دون شراكات ملزمة ( قانونيا وزمنيا ).

في المقابل نلحظ أرقاما بخسة ترمى لصناع السينما والدرامة التلفزيونية العربية لصنع "أشياء" تحت الطلب في مدد زمنية يتحكم بطولها أو قصرها الممول ويتراكض الصنايعية للم النقطة دون التفات إلى القيمة الحقيقية لما يقدمون ودون أية رعاية إبداعية لما يشتغلون بحيث يفقدون رأسمالهم الإبداعي الذي عملوا عليه جماعيا ولفترات زمنية طويلة .

لست مع الطلاق بين الرأسمال والفن أو الثقافة بل على العكس، ولا اطلب من أصحاب رؤوس الأموال أن يكونوا مثقفين، أو ملتزمين بمبادئ ومثل طوباوية، ولكن احترام الإبداع يجعل من السلعة الناتجة عنه سلعة ذات قيمة لها معايير لتثمينها (مثل العقود التي ربطت الشركتين) والمحافظة على صفة الإبداع كقيمة حرة ومتحررة له ثمنه المادي (تسويق وأرباح) والمعنوي (خبرات و استراتيجيات اقتصادية وفنية) تشكل الرأسمال الحقيقي والواقعي .

في الفن الإبداع هو القيمة الحقيقية لأنها قادرة أن تكون ضرورة ، والضرورة هي ما يمكن تقديره بأعلى الأثمان …أما ما تبقى فتكفيه الفراطة لأنه لا قيمة إبداعية له ..والأمثلة أصبحت متعددة بين أيدينا.