"..آليات التعاون وتبادل المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتدابير اللازمة لمراقبة وضبط الحدود والتدقيق في وثائق السفر ومكافحة التسلل والتهريب.." هي العناوين العريضة لاجتماع وزراء داخلية دول جوار العراق.. أما الفائدة والغاية المنشودتين منه فهي أنه يفتح المجال واسعاً لنقاشات وتبادل آراء ووجهات نظر من شأنها تأمين أفضل المناخات المساعدة في"تحقيق أفضل النتائج لمكافحة الإرهاب والتسلل والجريمة المنظمة وتحقيق الأمن والاستقرار للعراق الشقيق ولدول الجوار كافة.." حسب تعبير أمين عام وزارة الداخلية الأردنية في الكلمة التي افتتح بها المؤتمر ـ الاجتماع، والذي عبّر عن أمله في أن يساهم هذا الاجتماع في التأكيد على "حرص دول الجوار العربي والإقليمي للعراق على دعمه ومساعدته من أجل مواجهة التحديات التي تواجهه وخاصة الأمنية منها..".

لا شك أن الوضع الأمني المتدهور في العراق يتطلب عقد اجتماعات متكررة لوزراء داخلية جواره، وهي كثيرة بطبيعة الحال، ولا شك أيضاً في أن هذه الاجتماعات وما يتم خلالها من تنسيق وتشاور يمكن لها أن تساهم في الحد من حال العبث والفوضى والفلتان الأمني هناك، إلا أنها في الوقت عينه لا تشكل الرافعة الأساسية للوصول إلى عراق آمن ومستقر أمنياً.

فترتيب البيت الداخلي العراقي أمنياً، لم يعد مرهوناً بشكل أساسي اليوم بجهود دول الجوار وحسب، إنما هو مرتبط بجملة ترتيبات سياسية إقليمية ودولية نتجت عما شهدته المنطقة من تحولات منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 وما نتج عنه من معادلات جديدة، وهو مرتبط كذلك الأمر بوجود لاعبين أساسيين على طرفي نقيض، ولكل منهما أدواته في التعاطي مع الواقع العراقي المرير الذي يمر به منذ ما يزيد عن خمس سنوات:

الأول: الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها جهة خارجية محتلة بكل المقاييس والمعايير، ولها من المصالح الاستراتيجية في المنطقة ما يجعلها لا تستطيع التعامل مع الواقع العراقي وتداعياته بمعزل عن مشهدية الحدث السياسي والأمني في المنطقة بشكل عام، وبالتالي فإن دورها في التصعيد الأمني أو التهدئة مرتبط بشكل أساسي بتلك المصالح وبآليات المحافظة عليها، خصوصاً أنه لا يخفى على أحد أن نكتة "العالم الأكثر أمناً ونشر الديمقراطية والحرية" التي روجتها الولايات المتحدة لم تكن انطلاقاً من كونها حملاً وديعاً أو قدّيساً أو جمعية خيرية!.

الثاني: قوى التدمير والتفخيخ والقتل المجاني والتهجير المنضوية تحت عنوان "الإرهاب" الذي كان لا بد ـ أمريكياً ـ من استدراجه إلى الساحة العراقية كمسوغ ومبرر بديل لاحتلال العراق واستمرار التواجد العسكري فيه بعد الخيبة ـ الفضيحة التي شهدها العالم بأسره بأن لا علاقة للعراق ـ الرسمي آنذاك ـ بتنظيم القاعدة وشبكات "الإرهاب"، وبأن لا وجود لأسلحة دمار شامل ولا هم يحزنون.. قوى التدمير والتخريب هذه أصبحت اليوم منتشرة من أقصى جنوب العراق إلى أقصى شماله، وهي قادرة على العبث والضرب في كل مكان من الأراضي العراقية، وبالتالي التهديد المستمر لأمن ومستقبل العراق لطالما أن لعبة القط والفأر التي يتم تبادل الأدوار فيها بينها وبين الجيش الأمريكي في العراق مستمرة!.

ولا يمكن هنا إغفال الاتفاقية الأمنية الأمريكية كـ "مشروع أمريكي طموح" هو جزء من فاتورة الحساب الذي تنتظر الإدارة الأمريكية من العراق أن يسددها كدفعة أولى، على أن يتم تسديد الباقي ـ وهو كثير ـ في مراحل لاحقة.. لكن البداية العلنية لا بد ستكون من خلال توقيع تلك الاتفاقية التي تلوح بها الإدارة الأمريكية وتحذر العراقيين من مغبة ومخاطر عدم التوقيع عليها، في الوقت ذاته الذي ينعقد فيه اجتماع وزراء داخلية دول جوار العراق!.

في ختام الاجتماع، لا بد سيكون هناك بيان ختامي وتوصيات باتخاذ تدابير وإجراءات، وهي مهمة على أية حال، لكنها ليست بجديدة، وليست حجر الزاوية في تخفيف حدة التدهور الأمني، ذلك أن ضبط العراق أمنياً اليوم أصبح مرتبطاً بجردة الحساب الأمريكية وما سينتج عنها من تغييرات في تعاطيها مع المنطقة عموماً ومع العراق خصوصاً، وهذه التغييرات لا بد ستقود إلى حصول تغييرات في السلوك "الإرهابي" إن تصعيداً أو تهدئة

مصادر
سورية الغد (دمشق)