المقصود من مؤتمر حوار الأديان يظهر في ترتيب الكلمات، فهو "حوار" على سياق تقسيم العالم الذي لا يبدو حاضرا بقوة في "التجمع" الذي يريد البعض أن يسوقه "إنسانيا"، فيظهر وكأنه استذكار لـ"أشخاص" نسيهم الزمن، ابتداء من أول كلمة ومرورا بشمعون بيريز الذي على ما يبدو ترك في مكتبه "عناقيد الغضب" وانتهاء بالرئيس جورج بوش الذي سيرحل قريبا وهو يحمل معه رماد "نيرون".

وربما لا تصلح التشبيهات لعالم السياسة أو لقراءة هذا المؤتمر الذي تحول إلى "غصن زيتون"، لأنه أساسا يتجاوز مصطلح السياسة عموما، في وقت لم يستطع أن يعبر عن "عمق ديني"، على الأخص أن الرموز الثلاثة التي حضرته من السعودية و "إسرائيل" و الولايات المتحدة لا تملك صورة ذهنية يمكن ربطها مع "شفافية" الدين أو قيمه، فنحن عمليا أمام "مشهد" مختلط يعيد إحياء ذكرى "السلطان عبد الحميد" عندما كان يهدد بإمبراطوريته المنهارة دول العالم.

في النهاية نحن أمام صورة ليست جديدة لكنها تخنق ذاكرتنا المشحونة أساسا بكل أشكال الزيف الذي ظهر منذ حرب أفغانستان الأولى وما رافقها من "جهاد"، وصولا إلى النقطة التي انطلقت فيها ملامح "الحرب على الإرهاب"، وفي هذا الزمن بقي اللاعبون يتبادلون الأدوار دون أن تتغير شخصياتهم، فلا يبقى من المؤتمر سوى "الاستبداد" بالرأي العام ومحاولة الإقناع بأن حشر السياسة يمكن أن يعطي أدوارا إقليمية لدول لا تملك سوى أجندات "صفراء".

"ثقافة السلام" تخنقنا بالفعل لأنها تلبس عباءة تراثية وتنطلق من منطق الأشباح، وربما الخرافات التي يمكن أن يرسمها "معتنقو" السياسة، فيحاولون القفز على كل اعتبارات البحث عن حلول للأزمات، فيبدو مؤتمر حوار الأديان أكثر من كسر للحاجز النفسي مع "التفكير المتطرف سواء عبرت عنه "إسرائيل" أو "المحافظون الجدد" أو الحركات التكفيرية" التي لم نعرفها إلا بأسماء ارتبطت بحروب ممولة من البترودولار.

و "ثقافة السلام" التي تظهر هي رسم لواقع يُراد له أن يطفو مع انتهاء "زمن" الحروب الاستباقية، فيصبح مادة للصراع الإقليمي، ويبدأ الحديث عن "الانقسام المذهبي" من زاوية جديدة، فالمسألة اليوم ليس أن المؤتمر "سياسي" وليس "ديني" بل في الصورة الذهنية التي تتشكل وكأن العالم هو في النهاية على شاكلة "المجتمعين" في أروقة الأمم المتحدة يتحاورون على تصفية ما تبقى لنا من قدرة على رسم مصيرنا وكتابة المستقبل دون عباءة تراثية أو "دعوات تبشيرية" تسبقها "عناقيد الغضب".