كان على الرئيس الأمريكي جورج بوش التحدث، ليس تعليقا على "حادثة الحذاء" بل أيضا عن "حرية التعبير" التي يعتقد انها ظهرت خلال مؤتمره الصحفي، ورغم أن الصورة كالعادة أبلغ من الكلام، فإن "الحادثة" بذاتها تحمل التناقض الصارخ الذي يظهر اليوم على مساحة الشرق الأوسط بأكمله وليس فقط خلال مؤتمر صحفي في بغداد، فرمي الحذاء هو أكثر من مجرد "تعبير"، ولو ان الرئيس بوش يعرف "المزاج" الاجتماعي في الشرق الأوسط لاستخدم ألفاظا أخرى، فالصحفي يعرف أن استخدام هذه "الحرية" يصل إلى مجال "القتل" وهو ما نقلته الكاميرا عبر صراخه وتأوهاته خلال عملية اعتقاله.

عمليا فإن المشهد الذي قدمته "حادثة الحذاء" يقدم "كشفا عاما للمناخ السائد تجاه السياسة التي ظهرت منذ احتلال العراق، فالبرود السياسي الذي أبداه بوش والمالكي وربما بعض وسائل الإعلام، يقابله "الغضب" الذي دفع الصحفي منتظر الزيدي لاستخدام حذائه، وهو ما يضعنا أمام واقعين:

 الأول هو الخطاب الذي يتحدث بهدوء وربما بدم بارد عن "حرية التعبير"، أو يطرح التحليلات السياسية عن تقسيم العراق، أو حتى عن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وكأنها درس أكاديمي لواقعة تاريخية لا جغرافية لها او مجردة من الزمن، وهذا الخطاب يظهر على مساحة المجتمع خاليا من حرارة الحياة رغم انه يتحدث عن أكثر المسائل حيوية، لكنه يقوم أساسا على عملية "القطع" التاريخي، فهو يعتبر نفسه "مرحلة مستقلة"، لذلك فهو ظهر وكأنه "استبدال" للخطاب الحماسي المتهم بأنه "خشبي".

 الثاني واقع الانحياز الحدي للموقف السياسي الذي تظهره "المقاومة"، بحيث تداخل "العنف" مع أي حدث آخر وغاب التمييز نتيجة برود الخطاب السياسي بين تعبير المجتمع عن هويته و "التطرف" الذي يظهر بعمليات "التكفير" أو "الإرهاب المجاني".

الواقعين عمليا يميزان المجتمعات العربية التي تحمل وجهين يتصارعان على المستوى الفكري والعملي، ويقدمان نماذج مشابهة لما حدث في حادثة الحذاء، فهناك حسب الوكالات صحفيون اعتذروا لبوش عن تصرف زميلهم، بينما كان البرود يلف وجوه السياسيين الذين شهدوا ما حدث، لكن على المستوى العام فإن الصحفي نقل الوجه الآخر الذي اعتبر ما حدث وكأنه خلاصة الغضب المختزن منذ ست سنوات، فحرية التعبير الذي تحدث عنها بوش كانت تعاكس طريقة العنف التي استخدمت في مواجهة الصحفي منتظر الزيدي، وربما سترافقه إلى المعتقل، والصحفيون العراقيون، وربما غيرهم، يعرفون ماذا يحدث في مثل هذه الأمور.

الحادثة ربما أضحكت المجتمعات العربية، وهي أيضا صورة نهائية لمرحلة اتسمت بـ"الزيف السياسي" وأنتجت خطابا لم يستطع أن يخلق هوية لنفسه لأنه أراد "طمس" مرحلة تاريخية كاملة، فحرية التعبير شأنا لا يمكنه أن يظهر بالصورة التي فرضتها الإستراتيجية الأمريكية، وربما انتهت أيضا بحادثة لا يريد أي رئيس أن ينهي حياته السياسية بها.