مهما كان العمل لكنه يربطني باتجاه الوجوه التي تقتحم حياتي، فالإعلام يمسح وجهي صباح مساء، ويذكرني بأن الحياة تفاصيل لحدث ربما لا أستطيع الوصول إليه، لكنني في النهاية أدمنه، كما أدمن العشق الذي يجعلني أعيش وأحلم، وأتفاءل بأي جديد يطل عليّ ويقنعني باهتراء عباءة التراث التي لقنتني بأن "الرجال قليل".... لكنني أختبر أنهم أكثر مما نتوقع، وأنهم قادرون عندما يسطع أمل واحد، فهل أعبر عن امتناني لهم، أم للصورة والحدث التي تجعلني أربط ما بين الوجوه؟!!

في الإعلام تجربة خاصة تجعلك تخرج من الظاهرة الصوتية، وتجعل الصحفي فعلا متنقلا يحمل "حمية" الشأن العام، وحرارة الوصول إلى كل مسامات الجلد فينعش الجميع أو يجعلهم يهتزون طربا، لكنه أيضا ينقل المساحات المنسية من حياتنا، أو يجعل البعض يهز رأسه موافقا أو مستنكرا، أما بالنسبة لي فهو يتركني أقفز على الصورة المتقلبة للون القاتم أو المتدرج حتى أصل لنقطة الضياء، فأقبض عليها أو تأسرني، أو تتمطى فوقي فأنتحب من اللذة أو الحنين أو حتى الألم...

هذا هو الإعلام الذي يحبطني دائما لكنه يجعلني فجأة مقتنعة بأن علينا الغرق فيه، لأنه مثل العشق القديم أو الجديد، أو المستحدث أو حتى المكتوب على الأجنحة التي تتباهى بانتقالها من حدث إلى آخر. هو أيضا يضعني أمام الوجوه التي أصابت قلبي فعرفتُ أو عرفت أنها قادرة على التجاوب مع الابداعات التي يخترعها الإعلامي حتى ينسج قصة ربما بقيت منسية، فهو رسم لي مجموعة صداقات مع الأشياء ومع البشر، وجعلني أتحسس اللحظات بشكل يدفع المساحات حولي من جديد فأكتشف أن "الرجال كثر"، وان محاولة الأقدمين لا تعبر إلا عن شح الصحراء، وعن الصحافة التي امتهنت رائحة النفط لكنها في النهاية كانت قادرة على بناء مؤسسات "علاقات عامة" لا تقنع أحدا بضرورة "الرأي" الذي يصبح مع الزمن هوية الأشخاص....

مهما حاول الأكاديميون تقديم "الموضوعية" أو "التوازن" لكننا نجد أنفسنا أمام حالة جديدة في كل قصة تكسر الاعتيادي، وتجعل من الموضوعية مفهوما جديدا ينبض بالحياة بدلا من أن يتكسر على اعتبار الجمود أو البرود الذي يرصفه البعض أمامنا كي يغطي خيبتهم أو عدم جرأتهم...

في الإعلام عشق لنبض الحياة، فلا داعي للتفكير أو كتابة الشعر لما قام به إعلامي في العراق، لأن المسألة يمكن فهمها خارج منطق الفرح أو الحزن أو "الاعتذار" الأصفر... فهي في النهاية صورة لرجل يتكرر كل يوم في حياتنا.... وهي تعبير عن واقع ربما أردنا كإعلاميين الابتعاد عنه، لكنه في النهاية يلاحقنا أينما ذهبنا.