ربما فقد الصحفي كلماته، أو انتهت العبارات عند حدود الموت الذي يحصد عن طريق "الخطأ" أي أمل في التلذذ بالتمر العراقي، فعندما يطير القلم من يدي الصحفي يصبح كل شيء ممكن... ويصبح "الحذاء" عنوان مرحلة إعلامية بعد أصبحت الصحف محشورة داخل "سياسة تحريرية" تفوح منها رائحة النفط.

لم أفهم من غضب الصحفي سوى انتهاء هامش الكلمة... أو سقوط "الرسالة" التي يمكن أن ينقلها الإعلام لـ"المتلقي"، ولم أفهم مما قام به منتظر الزيدي سوى "الفعل" القسري فلما كسر قلمه أو عزل عن الناس، أو اعتزل الناس فهمه، فإعلام "المهمة" الواحدة والمبرمج على سياق "الموضوعية" الخانقة، والتوازن المبني على معيار "البرود السياسي" سيصل إلى أدوات تتخلى عن الكلمة وعن "الرسالة الإعلامية" التقليدية، فيصبح استخدام كل الأدوات مبررا.

كان المؤتمر الصحفي ميتا بطبعه، ويعبر عن "الرحيل" السياسي، لكنه وبشكل مفاجئ نقل أيضا "الوداع" للإعلام الذي يريده البعض متزنا في زمن الاحتضار وموضوعيا في لحظة الاستباحة، وهادئا أمام نشوة اغتصاب قذرة... هذا الإعلام الذي يتباهى بـ"حرية التعبير" يغرق أيضا في وهم آخر لا يدركه إلا من يعرف أن "القارئ" لم يعد مهووسا بالتحليلات، وأنه أذكى من "زوايا" الكاميرا التي تحاول نقل وجهة خاصة، فالإعلام "المعزول" عن الناس كان بطل الساحة لعقود طويلة، وهو يحاول ان يرضي مصادره ليحافظ على شكله الكلاسيكي الذي ارتسم في زمن "الحروب الأهلية".

ربما يبدأ منذ اليوم مهرجان إعلامي آخر تتراقص الكلمات على إيقاعه بدلا من أن تتصف في جمل قصيرة، لأن العجز لن يدفعنا لاستخدام الأحذية بل للتفكير بقدرتنا على التعامل مع الناس بنفس حرارة الحياة، فيتحول الخبر إلى نوع من البريق الخاطف، وتصبح المقالات متحركة بقدر الخطر الذي يحاصرنا، فينتهي عصر "الحصار الإعلامي" والجرائد المشكلة مسبقا بعناوين عريضة وصور تحمل الابتسامات.

هو إعلام لم يفقد هويته فقط، بل أصبح تائها ومجبرا على استخدام "وسائل" خارجة عن المألوف، وهو أيضا إعلام غير قادر على السباحة على أمواج الطيف الضوئي، لأن اللون الرمادي يغالبه ويضفي مساحة من اصفرار الصحراء عليه، فينتقل إلى فضاء جديد لينتج أجيالا من الصحفيين القادرين على اتمام المهمة دون الوصول إلى اليأس من الكلمة فيستخدمون كل ما تصل إليه أيديهم ليعبروا عن غضبهم من الحصار الذي يعيشونه.

الحذاء لم يكن رفضا لبوش، فهو أيضا رفض للحصار الإعلامي، ولاقتسام الصحافة بين طرفين، وكان أيضا صورة لجيل آخر من الإعلاميين يصر البعض على تهميشه وإبعاده أو تحوير كلماته وفق "سياسة التحرير" المحتضرة.