لن أصدق أنني قادرة على التلهي بما بقي من مصيري، لكنني يوم كنت في "لاهيا" أبحث أن عن"منافذ" للحياة اقتنعت بأن "النبؤة ممكنة، وأن الأحاديث الغيبية ربما يستطيع أي نظام عربي تحقيقها، أو تجريدها من قدسية حكمتها على امتداد أربعة عشر قرنا، فقطاع غزة هو "حج" لا يحتاج لعمرة... وهو قبلة منسية بعد أن أدرك "الحفاة العراة رعاة الشاة" أنهم يملكون "السر القدسي"، فأصبحت أرضي متنقلة ما بين اتفاق مكة وتفاهم القاهرة وأخيرا رجم "إبليس" في "مؤتمره الصحفي".

سأصحو غدا من جديد على وحي آخر لم يحلم به الأقدمون، يطير ما بين رام الله وغزة، ثم يغفو في "بيت ساحور" ليؤسس إسراء ومعراجا جديدين يمسحان من على كاهل السياسة أرق البحث في تكوين تنظيمات جديدة، وكفاح مسلح يستريح في "مكة" ويطوف ما بين "المبادرات" و الاجتماعات المكتوبة على قبعات الحاخامات، فقضيتي السائبة على مساحة النظام العربي هي في النهاية قدري الذي أتباهى به، فغزة هي أرض أخرى، وفاصلة وسط هوية تتشكل ثم يتم تشتيتها، لكنها ترفعني لما أبعد من "الدور" الذي يحلم به البعض، فأمتلك أوراقيّ "الإقليمية" التي تحكم علي بحصار... أو جوع، أو غارات يشهدها العالم لكنه ينظر باتجاه آخر...

في غزة سأصحو وانا أحمل الحلم الذي أوجدني، وعرفت فيه لذة الشوق لمخيم يكبر ويصغر وفق سياق لا أفهمه، لكنني على الأقل أعرف لونا يمكن أن يغادرني عندما تصبح "فلسطيني" و"فلسطين" أهلي مزروعة على عواصم "معتدلة" حتى في جنسها، فلا نستطيع تحدي اتجاهها أو قراءة لونها القاسي أو المرن، لأن قحط الصحراء أذابها على لون "السائل الأسود" الذي أصبح صورة لكل المواقف المتجددة.

غزة التي أعشقها تعشقني أيضا، وتجعل الفقر من رفح إلى بيت لاهيا خطا يحتضنني فأفرح رغم المأساة التي تكبر فوقي، ثم أكتب حروفا مبعثرة هي من وحي القادم الذي لا يعترف بجنوب نحج إليه أو غرب يريد لي التاريخ، فأنا أصور غزة على شاكلتي كي تبقى مهدا مستمرا من بيت اللحم باتجاه صحراء النقب، وعندما تغلق المعابر أفتح أفقا مع الله أو مع الأرض أو حتى مع نفسي، فالموت ربما يوحدنا مع تناقضات التفكير لكنه في النهاية يثبت هويتي... وحق بقائي في غزة... وربما حق الجميع في العودة... والسفر والتحرك... فليستمر حصار غزة لأنه حصار للجميع وليس لي أو لأهلي.