لا يمكن فهم "حالة الترقب" إلا إذا أسندناها لبحث آخر لا علاقة له بالصراع الدائر بالمنطقة، فالظرف السياسي ربما يتيح اليوم أكثر من اتجاه للتحرك خارج إطار الشكل النمطي المعتمد رسميا عبر المبادرة العربية، فالشرق الأوسط ربما يقدم "هدايا" مجانية لكل الأطراف ويبقى نفسه خارج مساحة تحقيق مصلحة مرتبطة أساسا بالفلسطينيين.

و "الترقب" على ما يبدو لا يظهر إلا في إطار سكان "القطاع" الذين اعتادوا هذا النوع من الوقوف على حافة حرجة، لا تحوي "حراك" سياسي، وفي المقابل فإنها متخمة بفنون التهم والحصار وحتى الخلافات الداخلية، فالمشكلة المركبة تظهر عبر مسارين:

الأول: يعتمد على الخطوط السياسية التي بدأت بأوسلو واستمرت رغم انتهاء زمن التسوية الذي ظهر في التسعينيات، لكن هذا الخط يحمل كل ثقل "الجناح المعتدل" الذي يريد عبر التسوية تقديم "براءة" ذمة من الإرهاب أكثر من كونه يبحث عن حلول منطقية أو قابلة للتحقق، وهذا "الجناح" يترقب اليوم وسط عدم حسم سياسي في "إسرائيل" و "الولايات المتحدة"، وحتى في بلدانه، فهو لا يعرف بالضبط "المسار الاستراتيجي" الذي يمكن ان تسير عليه الأمور بعد الانتخابات الإسرائيلية، وفي المرحلة التي تصبح فيها الإدارة الأمريكية الجديدة قادرة على طرح تصورها المستقبلي، أو قراراتها بشأن التسوية.

وهذا الجناح ليس حاسما، وخصوصا في الرياض، من إمكانية التوصل إلى تسوية بين سورية و "إسرائيل"، فهو إن صح التعبير مقطوع عن "حركة" الصراع أو التسوية في المنطقة لأنه يملك على ما يبدو نماذج جاهزة يطبقها أو يتركها لأنه متوقف عند زمن واحد، وهو ما يجعل غزة أسيرة لانتظاره طالما أن هناك "رهان" على "وزنه" غربيا كونه يشكل "الاعتدال" الساكن او المستقر ضمن زمن لا يتبدل.

الثاني: الثاني ينتقل مباشرة إلى المظاهر المسلحة في غزة، وحركة المقاومة فيها، ومهما قيل عن هذا الوضع، أو الاتهامات التي توجه إليه بشأن "رفع التوتر"، لكنه في النهاية يراهن حتى اليوم على أطراف "الجناح المعتدل"، وعلى اجتماعات القاهرة أو "نداءات مكة"، وهو رغم وجوده في قلب الإعصار لكنه يطمح في الظهور على مساحة سياسية تجعله ضمن اللعبة السياسية النمطية، فمعاناة غزة عمليا هي هذه الحركة السياسية التي لا تملك "حسما" في رهاناتها.

الصورة قاتمة لأن الظرف السياسي اليوم "عائم" على مساحة التغير ما بين "إسرائيل" و "الولايات المتحدة"، وهناك انتظار بدلا من تشكيل تعاطف "رسمي" مع قطاع غزة، لكن يبدو من العبث البحث عن هذا التعاطف طالما أن الرهانات الأساسية للتشكيلات الرسمية العربية، وعلى الأخص في الجناح المعتدل، تذهب نحو "رسم توازن" خاص بها، وتنظر إلى أي تحول على أنه موجه ضدها، فمشكلتها ليست مع حماس أو فتح أو السلطة، بل مع طريقة تشكيل حلفاء لها بغض النظر عما يحدث في غزة، أو عن الخسارة الاستراتيجية التي سنشهدها فور انتهاء الانتخابات في "إسرائيل"، أو حتى بعد تسلم "الرئيس الأمريكي الجديد لمنصبه".