لست بحاجة لتأكيدات حول المشاعر العربية الرسمية وغير الرسمية، أو حتى "اليقين" بوطنية الكثير من القيادات، لأنني اليوم "جارية" في بيت إعلامي مغلق الأبواب، أستقبل صباحي بالمراسلين، وأودعه بتصريحات السياسيين، وأضاجع التحليلات أو أغازل الألقاب التي تتقدم الأسماء، فمن خبير إلى محلل، ومن أكاديمي إلى شاهد عيان، ويبقى "المنزل الإعلامي" يحشرني في زواياه، فأعرف كل تفاصيل الأرض التي يسير عليها المقاومون، أو صلوات "هنية" وتبجحات "أولمرت"، وفي النهاية تقف الصورة عند النقطة التي تخنقني، لأنني ربما مثل البقية قادرة على الركض على المعادلة الإعلامية...

وفي الضفة الأخرى أحاول أن أتسرب من النافذة لأشاهد التحول الطبيعي، أو حركة المارة وهم ينفذون من "المعادلة الإعلامية" ومن خارج أروقة الموت في غزة، فالمشهد لا يكتمل دون التحدي الذي تحمله الحياة لنا وسط الحرب، لأننا في النهاية ننتقل من الشاشات إلى الممكنات، ومن "الحلم" بالمقاومة إلى "الصياغة" السياسية التي تطرق الأذن وكأنها نفير عام، وتحد لا يمكننا كشفه إلا مع انجلاء المعركة ومع النهاية التي تحملها مهما كانت نتائجها، فحلم المقاومة ربما لا يبقى على مساحة واحدة، فهو متنقل بطبعه من زاوية إلى أخرى وكأنه طيف قادر على الدخول إلى القلوب المكسرة أو القادرة على الخفقان رغم حجم الكوابيس التي تلاحقه....

غزة ستبقى المشهد الذي يتنقل معي سواء في أروقة الإعلام أو الأفق المنسي للأطفال الذين يحشرون وكأنهم في زقاق خلفي من غزة، فيعيشون أو يقتلون... وينطلقون على أجسادنا كي نتكلل بالحق رغم ملامح التسوية، فنحن في غزة نقفز إلى حياة مختلفة، تتربع على الزمن الذي يتباطأ بشكل لا يصدق، فنعرف أننا لسنا قادرين على التجاوز السريع لما يحدث، فالأطفال الذين يغادرونا سبقونا بوجوههم وهم يسيرون نحو المستقبل الذي كنا نحلم به، لكنه يصبح اليوم واقعا متهجما يمنعنا من الكتابة... يمنعنا من الشعور، ثم ننطلق إلى المجهول الذي لا نريده... لا نحلم به.

غزة معرفة جديدة .... حياة علينا أن نخلقها بعد أن تعرفنا على الوجه السافر لما يمكن أن يحدث لنا عندما نخسر أنفسنا ونكسب العالم.... هذا ما فعله البعض.. وعباس أو أبو الغيط أو سعود الفيصل ليسوا أول أو آخر الخاسرين.