في استعادة لمقولة السيد حسن نصر الله (إسرائيل أوهى من بيت العنكبوت ) التي تؤكدها غزة أولا وعبر عداد القتلى الإسرائيليين ، ويؤكدها العالم في أرجائه الأربع عبر ردود أفعاله الحرة والعقلانية (تسعين منظمة أهلية في العالم ترفع دعوى قضائية جنائية محددة الأوصاف ضد أناس محددين في الكيان الصهيوني)، وأخيرا وهذا أضعف الأيمان تؤكدها الشعوب والمجتمعات العربية وعبر ردها البسيط والمحدود عمليا (مظاهرات ـ شجب ـ تبرعات ـ أدعية)، هذه المقولة تعيدنا إلى حالة الاصطناع المعتمد على القوة بمعناها الفيزيائي فقط حيث يكفي تحييدها وعبر مجرد تهديدها حتى تتخلخل البنية الاجتماعية من العمق ، حيث يبدو فقدان الأمل كجزء من انحسار القوة الفيزيائية عبر وقاحة المقاومين في مواجهتها وغزة تمارس اليوم هذه الوقاحة على الرغم مسلمات المخرز والعين ، لأن السؤال الأساسي الذي لم يطرحه العدو هو إلى أين سوف يذهبون ؟؟ بل طرح سؤال كم من القوة العاتية يحتاجون كي يذهبوا من هنا ؟؟؟

لن يذهبوا إلى أي مكان (البوابات والمعابر المغلقة هنا لا تقوم بفعل مساند حتى ولو كانت مفتوحة ولو كانت في حدها الأقصى تؤدي فعلا خيريا موازيا لمظاهرات العرب وقد قامت بهذا الفعل البوابات الإسرائيلية نفسها) لن يذهبوا إلى أي مكان ليس لأن لا يستطيعون الحصول على مكان آخر بل لأن المكان هو الإنسان في أشكاله المقاومة أي أن أية قوة مهما كانت عاتية لن تستطيع إزاحة المكان مهما أثخنته .

أما أن يدخلوا غزة ويبدؤون في ترويضها فهذا فعل مؤقت لا يتناسب مع مفهوم ديمومة المكان خصوصا أن أحدا لا يستطيع أن يزاود أن المكان مجاني أو صدفه جغرافية فاللحم المحروق بالفسفور شاهد عولمي ( في محكمة الجنايات الدولية ) على نهائية الانتماء ووضوحه التي كانت سابقا موضع أخذ ورد عبر حملات الإعلام الصهيونية ، وهنا يبدو فارق الوعي نوعيا بين الوعي الأوربي الغربي للحقيقة وإجراءاته والوعي العربي العالم ثالثي للمسألة ، هذا الفارق يظهر في الزمن الذي يعني احتمال المجازر والصبر عليها كوقود استراتيجي وبين مواجهتها بالأدوات الفعالة ، ومن هنا يبدو حزب الله أختصر الزمن وقلل من إمكانيات المجازر ليس لأنه يمتلك خزان استراتيجي من الصبر والشهداء والخسائر والأبطال فقط بل لامتلاكه وسائل حداثية مركبة وغير مشخصة مثل المقدرة على قراءة الواقع والتخطيط له بلا عواطف مستمدة من الانتقام بل من المصالح كما هي، بالإضافة إلى امتلاكه مؤسسة حراكية خالية من الفساد ( وهذه أداة حداثية لا يستهان بها ) والاهم من هذا كله أن المقاومة التي هددت القوة العاتية في 2006 هي المكان نفسه في حضوره البشري الذي لا يستطيع المغادرة إلى مكان آخر .

هنا غزة لا تأمل بتقليل عدد الشهداء والضحايا فالقوة العاتية طرشا عمياء، والحصار الذي سبق ولحق هو تمديد لزمان القوة العاتية حتى ولو لم تسأل السؤال المناسب، لذلك يبدو عداد القتلى الإسرائيليين والصواريخ البدائية هو إنقاذ عقلاني للزمن بوصفه حياة.

لذا وليكن معلوما أن غزة لن تغادر إلى أي مكان والمرشح الأكيد للمغادرة هي إسرائيل لأنها وببساطة قادرة على المغادرة ، بغض النظر عن الطريقة أو الآلية والفارق هو الزمن وتقليصه أو تطويله فبيت العنكبوت آيل للسقوط بمجرد وعي الزمان وأدواته ، وحرب تموز 2006 مثالا .