منذ اللحظة التي اشتعلت فيها أزمة العلاقات السورية – الأمريكية اجتاح الإعلام موجة من "المقاربات"، تبدو فيها سورية وكأنها لون واحد وخيار واحد. ورغم الإقرار بأن الوعي الاجتماعي هو "وعي مقارن"، لكن ما حدث خلال السنوات الثماني الماضية شكل ظاهرة مرضية، ابتعدت كثيرا عن مساحة البحث في نوعية التحول الدولي تجاه الشرق الأوسط

وعندما يبدأ اليوم الحديث عن "مراجعة" جدية في واشنطن للعلاقة مع دمشق، فإن الأنظار تتجه إلى ثلاث ملفات أساسية:

الأول في لبنان، ولكنه هذه المرة ينظر إلى مسألة المقاومة وحزب الله، وليس إلى الملفات التي لم تغلق، فإدارة أوباما التي تريد إعادة التوازن لعلاقاتها تبحث عن "دوائر" ضغط واضحة المعالم، او قادرة على استيعاب القوى السياسية الإقليمية، وفي هذا الموضوع يمكن أن نفهم بعض التصريحات سواء الصادرة من دمشق جول "الإملاءات" أو القادمة من واشنطن والمرتبطة بـ"مراقبة" السلوك السوري. فدمشق لم تعد تنظر إلى العلاقة مع لبنان على أساس ما سُمي بـ"حلفائها" بل أيضا في استيعاب "الأزمات" نتيجة أي اهتزاز داخلي. وفي المقابل هناك أيضا عددا من الملفات "الإستراتيجية" المشتركة مثل قضية اللاجئين و "التسوية" مع العدو الإسرائيلي...

الثاني هو الملف العراقي الذي يبدو اكثر تعقيدا من مسألة "الاتفاق الأمني" أو سحب قوات الاحتلال، وإذا كان الرئيس الأسبق جورج بوش تعامل بعد صدور تقرير بيكر – هاملتون على أساس توزيع نتائج احتلال العراق على دول الجوار الجغرافي، فإن الإدارة الحالية تريد رسم توازن سياسي بين العراق وباقي الدول ليس فقط لاستقرار العراق، بل لعزل إيران عن ملفات الشرق الأوسط، وتبدو هذه النظرة وكأنها تسعى لرسم المحاور التي أرادتها الإدارة السابقة بشكل جديد، بحيث يتم ترتيب الأدوار لدول المنطقة بدلا من إلغائها كما حدث سابقا.

الثالث وهو الأكثر حضورا اليوم هو ملف التسوية الذي يبدو انه سيدخل مرحلة من التعثر بعد تكليف بنيامين نتنياهو برئاسة وزراء العدو. وحتى اللحظة فغن كافة المؤشرات لا توحي بقفزة جديدة بل بمتابعة الخطوط السابقة التي تبدو وكأنها متاهة سياسية، ويبدو أن الدور السوري الذي تنظر إليه واشنطن يرتبط بالعلاقة مع حماس وليس بملف التسوية على المسار السوري.

عمليا فإن الحديث عن واقعية السياسة السورية تجاه العلاقة مع الولايات المتحدة شأن أساسي، لكنه يحتاج إلى الكثير من التفكيك وقراءته وفق التغيرات التي طرأت على العلاقات العربية – العربية بعد احتلال العراق، وربما على نوعية التوازن السياسي بين ما يطلق عليه "دول الاعتدال" و "محور الممانعة"، وهي مصطلحات في النهاية تصب في الموضوع الفلسطيني أولا وأخيرا، فالعلاقة مع الولايات المتحدة تبدو "محشورة" في هذا الموضوع ومن الصعب النظر إليها يتوجه مختلف.