هناك تصور أولي بشأن المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الحريري وهو انها تشكل "الالتزام" الدولي تجاه لبنان، وهو شأن تكرر مرارا خلال مرحلة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، لكن صورة هذا "الالتزام" بقيت عائمة على مساحة من التصريحات، في وقت اتضح أن الموضوع الأساسي كان في التشكيل الإقليمي الذي يبدو فيه لبنان نقطة التقاء السياسات وربما الاستراتيجيات التي ظهرت على مكدى السنوات الثلاث.

في المقابل فإن "الالتزام" الدولي يتضح في تعويم معنى "السيادة" عبر التعامل مع "التدويل"، وهو منطق وإن بدا في مبرراته يجنح إلى تأسيس جديد لـ"الدولة" في لبنان، لكنه حمل الكثير من "الزيف"، لن مثل هذا التأسيس انطلق من:

أولا - تشكيل السيادة اعتمادا على الموقف من الآخر، فالأكبر من جريمة اغتيال رفيق الحريري هو ما حصل بعدها عندما أصبحت نقطة للفرز ليس في لبنان بل للمنطقة ككل، حيث تم البدء بـ"تفصيل" التناقض ما بين بيروت ودمشق، وانتهى بـ"سياسة" المحاور التي اتخذت منهجا في النظر إلى كامل الشرق الأوسط وليس فقط إلى لبنان.

ثانيا - صياغة "السيادة" على قياس المرحلة السياسية، وهو أمر تم تطبيقه في العراق ثم انتقل إلى لبنان ولاحقا إلى فلسطين، حيث تم رسم "نوازن" للقوى الداخلية يتعامل مع السيادة وفق التطورات اللاحقة، فالسيادة في العراق التي بنيت على التوازن الأثني ثم الطائفي وأخيرا القبلي، لا تختلف من حيث النتائج عن التوازن في لبنان الذي حاول البعض وضعه على إطار مذهبي، وأما في فلسطين فهناك أيضا توازن آخر مرسوم وفق مسألة "التسوية" وعلاقة السلطة الفلسطينية بالتيارات الموجودة على الأرض.

عمليا فإن المحكمة الدولية حول اغتيال الحريري ستكون حدثا يطل على التحولات التي ضربت الشرق الأوسط، فرغم انها اليوم لا توحي بنفس الزخم السياسي السابق، لكنها في نفس الوقت تنقل ملامح الزمن الذي لم نتجاوزه بعد، لأن عملية الاغتيال كانت نقطة انطلاق لسيناريو متكامل ما بين الإعلام والفعل والسياسي، وشكلت مجالا لطرح الفرضيات حول مستقبل المنطقة بدولها، وهي أيضا أثرت على الجغرافية - السياسية أو تلاعبت بها على مدى أربع سنوات، فحملت معها خلط الأوراق في رؤية "الدور الإقليمي" لسورية، أو حتى في القدرة على التعامل مع الشرق الأوسط على أساس "بناء" النزاعات، لكن التعامل الخطر لم يكن يسير باتجاه واحد، فهو حمل أيضا تطور أدوار إقليمية جديدة، وتحول اتجاهات النظر إلى دولة الاحتلال، فحربي لبنان وغزة ليستا منفصلتين عما حدث بعد اغتيال الحريري.

السيناريو القادم ربما لم يعد مهما كانت اتجاهات التحقيق أو توجيه الاتهامات، لأن ما حدث أنتج واقعا مختلفا تماما حتى على مستوى العلاقات العربية - العربية، وهو أمر سيبقى يتفاعل وربما المهم هو كيف سنطوي صفحة "ما بعد" احتلال العراق وربما "ما بعد" احتلال فلسطين!!!!