خلال التحضير للقمة مرت ذكرى احتلال العراق، وربما خلال اجتماع الرؤساء والملوك العرب ستظهر العراق ربما مختلفة بالصورة، لأن "الاحتلال" لم يكشف فقط "نوعية" النظام العربي بل وضعه على مساحة صفراء تهدد وجوده بالكامل، وما حدث مباشرة بعد الاحتلال كان محاولات مباشرة لإغراق الجامعة العربية، ليس لفعاليتها وهو أمر محسوم بالنسبة للإستراتيجية الدولية آنذاك، بل لوضع مقاييس جديدة في مساحة التعامل العربي.

والواضح اليوم أن "القمة" العربية في الدوحة ستظهر على نفس المساحات السابقة، فهناك أوراق كثيرة مقدمة لتطوير الجامعة العربية، ولكن المسألة على ما يبدو ليست "رغبات" في التطوير، بل أيضا أوراقا "خلافية" يمكن ان تطرح لتجعل مع مسألة المصالحة أكثر من مجرد لقاءات ثنائية أو ثلاثية، فرؤية العمل العربي، وربما مساحاته الممكنة، ماتزال موجودة في "ماضوية" بعض التصورات، أو في قوالب "عصرنة" تعجز عن مجارة فكر مازال يسبح داخل القرون الوسطى، فمنذ تأسيس الجامعة وحتى اليوم تبدل "المجال" الخاص بالدولة العربية "ذات السيادة"، وربما تقلص مفهوم السيادة نحو "الإمارة"، فالمسألة تنتقل ما بين فرض "واقعية" قاتلة لأي حلم، أو "أحلام" تضع السياسة في مصاف العمل التبشيري.

وبالطبع فإن الحديث عن "النظام العربي" بات مألوفا اليوم، لأنه خرج من عملية الجذب التي شكلتها التحديات في منتصف القرن الماضي، والغريب أن هذا النظام تأسس في ظل إيديولوجيات مختلفة لكنه في نفس الوقت بقي بعيدا عن مسارات واضحة تعبر عن التحول ما بين فكر وآخر، وفي زحمة عملية "الاستمرار" في تثبيت هذا النظام ضاع السؤال حول "الاتجاه" الذي يمكن أن تسير بها مؤسسات العمل العربي، وفي نفس الوقت أصبح المحيط الجغرافي ربما أهم من تفاعلات الدول العربية.

عمليا فإن "البداية" التي يمكن أن تظهر هي "خارج القمة"، وبعيدة أيضا عن المساحات الفارغة التي تظهر في لحظة الأزمات، فالعالم العربي نادرا ما ينشد إلى دول محورية تتأثر مباشرة بالأزمة، وهو يخضع لحالة نمطية في مفهوم "الدول المحورية"، وكأن المشكلة تتلخص في الشرق، بينما تتلاشى المفاهيم كلما توجهنا غربا، وتصبح الأزمات شعورا اجتماعيا أكثر من كونها هاجسا سياسيا.

و "البداية" أيضا هي من عدم وجود "مشروع" رغم توفر جدول أعمال لقمة الدوحة، وربما سيكون "المشروع" الوحيد هو "قاعدة الخلافات" المستمر وعلى نفس القاعدة أو حتى على إيقاع كلاسيكي لا يحاول أن يغير من "الملل" المفروض بشكل دائم على المجتمعات التي لن تعتاد "الأزمة"، ويستحيل عليها وسط عالم متحول أن تبقى على نفس الصورة التي ظهرت منذ العقد الرابع للقرن الماضي وتستمر حتى اللحظة... لكن الأمر بالنسبة للنظام العربي هو استهلاك الخلاف أو الزمن أو استيعاب استمراره رغم كل الخلافات....