بعد ان كشف مؤتمر استضافته العاصمة العمانية مسقط السبت الماضي ، حول المساءلة والشفافية ودورهما في تنمية الاقتصاد الخليجي؛ عن دراسة تشير إلى أن الأزمة المالية التي استفحلت أواخر عام 2008 أدت إلى خسائر في استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي (فقط( تزيد عن 350 مليار دولار ’ مايعادل 23 ضعفا من حجم الصادرات السورية للعام المذكور’ ، يبدو بان دول الخليج العربي قد اقتنعت اخيرا بان استراتيجياتها السابقة في توجيه مدخراتها النفطية نحو الاستثمارات الغربية قد بآت بالفشل ، بعد ان تأكدت هذه الدول ’ وفقا لتحاليل عديدة صادرة عنها ’ بان الجدوى من تلك الاستثمارات قد باتت عقيمة بالفعل ، والتي على ما يبدو لم تفلح معها محاولة الانقاذ الاخيرة التي اجريت مطلع العام الحالي تحويل هذه الدول الخليجية لاستراتيجيتها الاستثمارية الخارجية من شراء السندات والاصول العقارية الى عمليات الشراء والاستحواذ على الشركات الكبرى ، بعد أن فوجئت باشهار معظم هذه الشركات لافلاسها سريعا في الاسواق العالمية .

وبعد هذا الاقتناع المتأخر ، يبدو بأن الوجهة الجديدة اليوم في شتى البلدان العربية ذات الصناديق الاستثمارية ، هي في التوجه نحو منافذ جديدة آمنة قبل كل شيء ، لاستثمار ما تبقى من كتلة المدخرات التي تفوق قيمتها في تلك الصناديق فقط التريليوني دولار ’ نحو 2000 مليار دولار ’ ، وعلى مبدأ ان تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي أبدا ، تتسع دائرة الطموحات الممكن انتظارها من مؤتمر القمة العربية المنتظر عقدها الايام القادمة في الدوحة ، فيما لو اقتنعت هذه الدول ’ أخيرا ’ بأن النافذة الاكثر اطمأنا وربحية في استثماراتها انما هي النافذة العربية ، التي كان يمكن ان تصبح ’لو استثمر جزء يسير من تلك الاموال في السنوات الماضية ’ واحدة من المناطق الاكثر نموا في العالم امام ما تتمتع به من موارد اضافية غير موجودة في معظم المناطق الاخرى ليس اقلها في توافر الفرص الاستثمارية واليد العاملة والسوق الواسعة والامتداد الجغرافي .

فبعد عشرات السنين من المطالبة والمحاولة وحتى الاقرار في العديد من القمم السابقة بأهمية التكامل الاقتصادي العربي ، لم يخرج على سطح النتائج ’ فعليا ’ سوى منطقة للتجارة الحرة العربية التي و على الرغم من تواجد العديد من القوائم السلبية الجمائية فيها ’ الا انها انهت ’ نظريا ’ سنوات تخفيضاتها المتلاحقة للرسوم الجمركية على المنتجات العربية بين بلدانها ، ووصلت الى مرحلة التبادل التجاري الحر دون اي رسوم للمنتجات العربية فيما بين أسواق أعضائها ، في حين ان قرارات القمم السابقة قد وصلت الى ابعد من هذا الانجاز ’ المتواضع ’ بكثير وهي التي اقرت في عقود سابقة اتفاقية السوق العربية المشتركة ووقعت على عقود ميثاق الوحدة الاقتصادية العربية ، التي يعدانجاز منطقة التجارة الحرة ’ المذكورة ’ فيها مرحلة ضرورية لكنها تاسيسة لا أكثر ، يفترض ان يكون قد مر عليها عشرات السنين للوصول الى الوحدة الاقتصادية المنتظرة ،بعيد التدرج بين مختلف أشكال التكامل الاقتصادي من المنطقة الى الاتحاد الجمركي الى السوق المستركة الى الاتحاد الاقتصادي ومن ثم اخيرا الى الوحدة الاقتصادية العربية .

فهل اقتنعت ’ أخيرا ’ هذه البلدان بعد ما خسرته من ارتباطها الغير صحي مع المنظومة العالمية بان الحل الامثل للنهوض باقتصادياتها ومواجهة ازماتها انما يكمن في ان تقف مع اخواتها من العرب في صف واحد ؟ من خلال تكامل اقتصادي عربي يمكنه ان يفرض شروطه على اي منظومة اقتصاية عالمية ، ومع أمنياتنا بان تكون هذه الدول قد فهمت هذا الامر تماما ، يبقى ان نذكر بان سوريا قد وقفت على الدوام مع انجاح اي من مشاريع التكامل العربي بكل انواعه وعلى راسها الاقتصادية منها ، لكن محاولاتها كانت تواجه على الدوام باستهتار من قبل الكثير من البلدان ، التي لا بد وانها تندم الان على ما اضاعته خلال عشرات السنوات الماضية من فرص كانت كافية لان تجعل من جيلنا في مختلف البلدان العربية ، جيل النهضة الاقتصادية العربية المنتظر .