حين يكتمل النصاب ثم ينقص ... "قمة غزة الطارئة في الدوحة" شاهداً

يُحسَبُ لقمة غزة الطارئة في الدوحة المنعقدة في السادس عشر من كانون الثاني الماضي أنها انعقدت على وقع سعي عربي حثيث لمنع التئامها، وأنها نجحت برغم الجهود التي قادتها دول عربية لإفشالها.

انعقدت القمة بينما كانت آلة الحرب الإسرائيلية، تدك وتسحق كل شيء في قطاع غزة، بدءاً من أجساد الأطفال الغضة الطرية إلى البنية التحتية للقطاع مستعينة على ذلك بالأسلحة المحرمة دولياً (الفوسفور الأبيض).

قمةٌ انعقدت وسط نارين: نار العدوان على غزة الذي بدأ في 27 كانون الأول الماضي واستمر 23 يوماً، ونار انقسام عربي وتصدع على الساحة العربية لم يسبق له مثيل، والذي ظهرت بوادره منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006 وطريقة تعاطي سورية معه من جهة، ومصر والسعودية من جهة أخرى واللتان وصفتا مقاومي حزب الله "بالمغامرين".

هذا الانقسام والتصدع ازدادا بعد الفراغ الدستوري الذي أبقى لبنان دون رئيس لستة أشهر، ثم تعمقا على وقع العدوان على غزة.

بكل تأكيد، فإن أحداً سواء من العرب أو حتى من الإسرائيليين لم يكن يتوقع انحدار الموقف المصري من العدوان على غزة إلى هذا الدرك، الذي تماهى فيه مع السياسية الإسرائيلية، لدرجة أنه بات عصياً على الدبلوماسية المصرية اتخاذ قرار تفتح بموجبه معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية إلى أهالي القطاع المنكوبين.

كما أن هذا الانحدار في موقف مصر رافقه تصريحات لساستها حمَّلوا فيها المقاومة الفلسطينية مسؤولية اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، بحجة أنها لم تلتزم بالتهدئة ما دفع بإسرائيل للرد على صواريخ المقاومة بشن العدوان غزة، لكن ساسة مصر تناسوا أن إسرائيل ليست بحاجة لأية حجة لتعتدي على الآمنين هنا وتضرب الأبرياء هناك.

العدوان الإسرائيلي على القطاع وضرورات قمة غزة

أوقع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أول أيامه 210 شهداء بينهم اللواء توفيق جبر مدير عام الشرطة الفلسطينية وأكثر من 750 جريح بعد قصف إسرائيل عنيف على مواقع عدة في القطاع نفذته أكثر من 60 طائرة حربية.

في اليوم التالي لاندلاع العدوان، أدركت سورية أهمية انعقاد قمة عربية تحول دون تمادي إسرائيل في مذابحها بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتحركت ديبلوماسيتها بشكل مكثف ودعت "بوصفها تترأس القمة العربية في دورتها الحالية إلى عقد قمة عربية طارئة لبحث الوضع الخطير في قطاع غزة وسبل صد العدوان الإسرائيلي عن أبناء الشعب الفلسطيني" بحسب بيان رئاسي سوري.

ونقلت وكالة الأنباء السورية سانا عن مصدر رسمي سوري مطالبته "الأمة العربية والمجتمع الدولي باستخدام كافة الوسائل المتاحة للضغط على إسرائيل لوقف هذا العدوان فورا".

وأوضح بيان رئاسي سوري إن الرئيس بشار الأسد "أجرى اتصالات هاتفية" مع عدد من القادة العرب دعا خلالها "إلى عقد قمة عربية طارئة لبحث الوضع الخطير في قطاع غزة وسبل صد العدوان الإسرائيلي عن أبناء الشعب الفلسطيني"، كما استمرت هذه الاتصالات في الأيام اللاحقة.

دمشق والدوحة: تنسيق مستمر وتقاسم أدوار

الدعوة السورية لعقد قمة عربية طارئة من أجل توحيد الصف العربي وإعادة اللحمة إليه تمهيداً لنصرة غزة لاقت صدى إيجابياً وترحيباً لدى القادة العرب، خلا عدد منهم (قادة مصر والسعودية) سيطرت على موقفه من دعوة سورية العلاقة السيئة معها.

يرى المحللون أن من أسباب الرفض المصري والسعودي لدعوة سورية جاء على خلفية خشية البلدين من اتساع الدور السوري على الساحة العربية وخاصة أن الأمر يتعلق بالقضية المركزية للعرب، القضية الفلسطينية.

انتبهت الديبلوماسية السورية للأمر، فبدأت التنسيق مع قطر التي دخلت بسرعة على الخط، وأعلنت استعدادها لاستضافة القمة بعدما دعت دمشق لانعقادها وبات هناك ما يشبه "تقاسم الأدوار" بين العاصمتين العربيتين المنتصرتين لغزة: دمشق والدوحة.

مجرد ذكر عبارة (انعقاد قمة عربية لنصرة غزة) كانت تثير مشاعر الانقسام بين العرب، بين من يرفض ومن يقبل، من يرحب ومن يشجب ويبدو أن القرارات التي أصرت سورية وقطر على الخروج بها من القمة، لتأتي على قدر الحدث الذي انعقدت من أجله، شكلت هاجساً وكانت مثار خوف من قبل بعض العرب الذين لن يتمكنوا من الالتزام بها فضلاً عن الموافقة عليها بسبب ارتباط سياساتهم بالسياسات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، دون أن يأخذوا بالحسبان مشاعر الشعب العربي الذي خرج بمظاهرات ومسيرات غاضبة دعماً لغزة وتنديداً "بتواطؤ" بعض الحكام العرب مع العدوان.

فهل سيرضى النظام المصري فتح معبر رفح؟ أو إعلان دعمه للمقاومة؟ وهل سيرضى النظام السعودي بسحب المبادرة العربية للسلام من التداول ودعم المقاومة كبديل لها؟

وإذا كانت بعض القمم العربية تتدخل فيها الولايات المتحدة بشكل أو بآخر، سواء في جدول أعمالها أو قراراتها أو حتى في انعقادها من عدمه وتقرير مستوى تمثيل الدول فيها، فإن بعض الدول العربية أخذت على عاتقها القيام بالدور الأميركي في قمة غزة في الدوحة حتى أن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني شكى أمره إلى الله وتحدث علناً عن محاولات إفشال انعقاد القمة "فكلما اكتمل نصابها نقص...حسبي الله ونعم الوكيل ".

رَفْضُ البعض حضور القمة عزز الانقسام العربي أكثر حتى أن المركب العربي صار قاب قوسين أو أدنى من الغرق، ووصلت العلاقات العربية لحالة من التدهور لم يسبق لها مثيلاً، وبينما كانت إسرائيل تعمل تقتيلاً وتذبيحاً بأبناء قطاع غزة، كان "الجدل البيزنطي" يسيطر على أجواء بعض العواصم العربية حول الفائدة من اجتماع العرب والنتائج التي يمكن الخروج بها من قمتهم، وبدل أن يكون العدوان الإسرائيلي عاملاً موحداً للعرب، لعب دوراً مغايراً تماماً، وفي النهاية نجح بعض العرب في منع انعقاد قمة عربية رسمية لنصرة لغزة وجاءت القمة دون النصاب المطلوب.

لم يكن موقف بعض الدول العربية (مصر والسعودية والأردن، بل وحتى السلطة الفلسطينية) من العدوان على غزة بمستوى الدماء البريئة التي سالت جراءه، حتى أن هذه المواقف لم تقارب مستوى الدمار الهائل الذي أصاب القطاع.

مع توالي الساعات ومرور الأيام، كانت العجرفة الإسرائيلية وعنجهيتها العسكرية تتزايد وتتمادى، وكان التهرب العربي من استحقاق القمة يكبر كفضيحة زلزلت الشارع العربي وأسعدت الإسرائيليين حتى الثمالة.

لا للقمة ...نعم لمجلس الأمن

بدأت السعودية ومصر والأردن بالمراوغة وقال ساستهم إنهم لا يرون حاجة لانعقاد قمة عربية ويمكن الاستعاضة عنها بقرار يصدر عن مجلس الأمن يتم بموجبه وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وتذرعوا بأن التحضير للقمة يحتاج وقتاً طويلاً، متناسين أن اللجوء للأمم المتحدة سيستغرق وقتاً أكثر.

عدا ذلك فإن الحراك القطري الحثيث أزعج بعض الدول العربية التي توصف بأنها كبرى، ورأت أن قطر بحراكها النشط باتت "تلعب دوراً يتجاوز مساحتها" بحسب تعبيرهم، وهو ما يهدد دورهم المحجوز لهم على الساحة العربية منذ عشرات السنين.

بعد عدة اجتماعات لوزراء الخارجية العرب في القاهرة تقرر إرسال وفد عربي مشترك إلى مجلس الأمن لاستصدرا قرار لوقف العدوان واتفق العرب على أنه في حال فشلوا في استصدار القرار فإن ملاذهم الأخير سيكون صوب القمة العربية.

توجه الوفد المكون من وزراء خارجية مصر أحمد أبو الغيط والسعودية سعود الفيصل ووزير خارجية حكومة سلام فياض الفلسطينية رياض المالكي، والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى توجهوا إلى نيويورك وبعد مفاوضات ماراتونية ومحادثات طويلة وأيام عدة وثلاث جلسات لمجلس الأمن حصل الوفد على القرار المنشود الذي يطالب إسرائيل بوقف العدوان معتقدين بذلك أنهم حفظوا ماء وجههم وأبعدوا "شبح" القمة عن طريقهم وعادوا بصيد ثمين لشعوبهم العربية ولأبناء غزة وحشروا إسرائيل في الزاوية.

لكن عنجهية العدوان لم تترك مجالاً لهم لإكمال فرحتهم، فسارعت إسرائيل إلى القول بأن قرار مجلس الأمن لا يعنيها، وبذلك ذهبت جهود الوفد العربي هباء منثوراً ومساعيه في أروقة مجلس الأمن أدراج الرياح.

مرات عدة وجهت الديبلوماسية السورية انتقاداتها لقرار مجلس الأمن هذا، والتي وجدته بحسب وزير الخارجية وليد المعلم "ضعيفاً" لأنه لم يصدر تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة لتنفيذ القرارات الدولية.

بفشل مجلس الأمن في وقف العدوان أصبح استحقاق انعقاد القمة أكثر إلحاحاً، وبات الأمر أشبه "بصراع سياسي" بين دول الممانعة ممثلة بسورية وقطر، ودول الاعتدال ممثلة بالسعودية ومصر، فكان الطرف الأول يرى في انعقاد القمة، فضلاً عن أهميتها في نصرة غزة، انتصاراً لسياسته، فيما كان الآخرون يرون في إفشال القمة انتصاراً لتوجهاتهم، واستمرت جهود الجانبين لإنفاذ سياسته وتوجهاته.

دول الاعتدال وحجج لا تنتهي

نشطت دمشق والدوحة في حشد التأييد العربي لانعقاد القمة، لكن الذرائع لدى (دول الاعتدال) لا تنتهي، وفيما كان الوقت يمضي، كان موعد القمة العربية الاقتصادية يقترب وهي المقررة في التاسع عشر من كانون الثاني في الكويت.

ارتأت دول الاعتدال (التي يحلو للشارع العربي وصفها بدول الاعتلال) أن تناقش العدوان الإسرائيلي على غزة في قمة الكويت، لكن الدول المنتصرة لغزة رفضت ذلك لأنه يعني بشكل تلقائي إعطاء مهلة إضافية لاستمرار العدوان والمذابح بحق أطفال ونساء وشيوخ غزة لمدة أسبوع (لحين انعقاد القمة)، كما أنها اعتبرته من غير اللائق مناقشة أمر سياسي كهذا في قمة اقتصادية يجري الإعداد لها منذ أكثر من عام.

تماهت مواقف السلطة الفلسطينية والرئيس عباس، كعادتها، مع سياسات دول الاعتدال، فيما تطابقت مواقف الفصائل الفلسطينية (حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وغيرها) مع نبض دول الممانعة والشارع العربي ورفضت ترحيل البحث في العدوان على غزة إلى قمة الكويت الاقتصادية، وفي هذا السياق قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح إن دماء غزة ليست سهماً في البورصة ليتم مناقشتها في قمة اقتصادية.

الدول العربية التي لم تشارك في قمة غزة اتخذت ذرائع متنوعة لتبرر تخلفها عن الحضور، فالسعودية ومصر جاهرتا علناً بمعارضتهما لانعقادها، بل إن وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط اعترف علناً بعد انعقاد القمة بفترة وجيزة أن مصر سعت جاهدة لإفشال انعقاد القمة من خلال منع اكتمال النصاب اللازم لانعقاد القمة (حضور ممثلين عن ثلثي أعضاء الجامعة، 15 دولة من أصل 22) وتحريض الدول العربية على رفض المشاركة.

دول أخرى ربطت مشاركتها باكتمال النصاب، متذرعة بالتزامها بالإجماع العربي وكي لا يُقال إنها تقف مع هذه الطرف العربي أو ذاك.

معلومات صحفية عدة تحدثت عن نماذج من الضغوط السعودية لمنع القمة من تحقيق نصابها، مثل حث العاهل المغربي محمد السادس على التراجع عن مشاركته في القمة الطارئة بعد أن أبلغ الحكومة القطرية رسمياً عن نيته المشاركة، كما أن بعض الدول مثل دولة الإمارات طلبت الإطلاع على البيان الختامي وقرارات القمة قبل المشاركة، وأوعزت أنها تريد قرارات "معتدلة" والابتعاد عن أي قرارات "ثورية".

الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قال إن 14 دولة فقط أيدت المشاركة في القمة الطارئة التي دعت إليها الدوحة، لكن قطر قالت إنها نجحت في جمع النصاب الكافي وأوضحت أن 15 دولة قدمت موافقات مكتوبة لحضور القمة.

وكانت قطر تريد تأمين النصاب كي تنعقد القمة تحت رعاية الجامعة العربية وكي تكون قراراتها سارية على كل الدول الأعضاء.

قطر تفضح المستور

الديبلوماسية القطرية اختارت طريق الصراحة وتسمية الأشياء بأسمائها، ووجه نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية الشيخ حمد بن جبر الاتهام لموسى بإخفاء أسماء بعض الدول التي أعلنت موافقتها على حضور قمة غزة في الدوحة وإخفاء عدد الدول التي أبلغته موافقتها على الحضور كي لا يكون الأمر عاملاً مشجعاً لبقية الدول لإعلان حضورها ومشاركتها، وقال المسؤول القطري إن ذلك حرم قمة غزة من مشاركة عربية واسعة، معتبراً أن الأمانة العامة للجامعة العربية تحولت إلى سكرتارية شخصية لزعماء بعض الدول العربية (السعودية ومصر).

المسؤول القطري لم يوفر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فكشف النقاب عن كلام قاله عباس له يتعلق بخشيته من المشاركة في القمة "لأني حينها سأذبح من الوريد إلى الوريد" في إشارة إلى الضغوط الممارسة على عباس للامتناع عن الحضور.

قمة في الرياض لإجهاض قمة الدوحة

قررت الديبلوماسيتان السورية والقطرية أنه يجب الذهاب حتى النهاية من أجل انعقاد قمة عزة، وفي موازاة ذلك كان إمعان بعض العرب في إفشال هذه الجهود وإجهاضها يسير على قدم وساق، فقبل موعد قمة غزة بيومين فقط دعت الرياض لعقد قمة عاجلة لدول مجلس التعاون الخليجي دُبِرَ في ليلٍ أسودَ أمرُها وجدولُ أعمالها ووجهت الدعوات لقادة دول الخليج لحضورها (هم بالإضافة إلى السعودية كل من قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وعُمان) قيل حينها أن هدف القمة توحيد مواقف دول الخليج من الأحداث على الساحة العربية.

حاولت قطر الإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة مع جميع الأطراف العربية، وخاصة جيرانها في الخليج، اعتقاداً منها أن ذلك يساعد على رأب الصدع على الساحة العربية، وحضر أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني القمة الخليجية في الرياض، لكن عبثاً كان الاعتقاد القطري، وعبثاً أيضاً كانت توقعات المراقبين بأن يفتح الحضور القطري في قمة الرياض الطريق واسعاً أمام حضور سعودي في قمة الدوحة.

وعدا ذلك فإن أمير قطر أكد أن بلاده ستحضر قمة الكويت على أعلى مستوى بغض النظر عن مصير القمة الطارئة بشأن غزة في الدوحة سواء انعقدت أم لا.

أمير قطر: حسبي الله ونعم الوكيل

قبل موعد قمة غزة بيوم واحد، قال أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في كلمة تلفزيونية تعليقاً على محاولات إفشال اكتمال النصاب اللازم لانعقاد قمة غزة إنه "ما إن يكتمل النصاب لعقد القمة العربية حتى ينقص، حسبي الله ونعم الوكيل"، وأضاف "انه لمن المعيب أن تناقش أزمة غزة على هامش القمة الاقتصادية في الكويت".

وفي كلمته، جدد أمير قطر مضي بلاده في الدعوة لعقد قمة الدوحة والتي استبقها، في الكلمة نفسها، برفع سقف قراراتها، التي لمَّا تصدر بعد، بهدف حشد الجهود العربية لمواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، وبما يتلاءم مع الصمود البطولي لرجال المقاومة الفلسطينية، فطالب الشيخ حمد بن خليفة بتجميد المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل وبكسر الحصار عن قطاع غزة وفتح جميع العابر المؤدية إليه بما فيها معبر رفح الواقع تحت السيادة المصرية، وإنشاء صندوق لدعم غزة وإعادة إعمارها، ساهم فيه باسم قطر بـ250 مليون دولار.

كما طالب بإنشاء جسر بحري تشارك فيه كل الدول العربية لإمداد غزة بما تحتاج من المواد التموينية والمعدات الطبية والأدوية، وطالب بالعمل على محاكمة قادة إسرائيل على جرائم الحرب التي يرتكبونها في قطاع غزة.

قمة غزة: الحضور والمتخلفون

شارك في القمة 12 دولة عربية (من ضمنها قطر)، مثلها رؤساء سورية بشار الأسد، ولبنان ميشيل سليمان، والسودان عمر حسن البشير، والجزائر عبد العزيز بوتفليقة، وجزر القمر أحمد عبد الله سامبي، وموريتانيا محمد ولد عبد العزيز.

كما شارك من العراق نائب الرئيس طارق الهاشمي، ومن ليبيا أمين اللجنة الشعبية العامة الليبية (رئيس الحكومة) البغدادي المحمودي، ومن عُمان وزير الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، ومن المغرب وزير شؤون الخارجية والتعاون الطيب الفاسي، ومن جيبوتي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حامد عبدي سلطان.

وتخلف عن الحضور تسع دول عربية هي: مصر والسعودية وفلسطين والأردن واليمن وتونس والبحرين والكويت والإمارات.

ولم تحضر الصومال بسبب الحرب الأهلية التي تشهدها.

بسبب البعد الإسلامي الذي يكتسي القضية الفلسطينية، كان ضرورياً وجود دول إسلامية معروفة بدعمها لقضية العرب المركزية خاصة في ظل تخلف بعض العرب عن ممارسة دورهم القومي تجاه أبناء غزة، فحضر الرئيسان الإيراني محمود أحمدي نجاد، والسنغالي عبد الله واد الذي تترأس بلاده منظمة المؤتمر الإسلامي، وحضر نائب رئيس الوزراء التركي جميل جيجيك، وممثل خاص للرئيس الإندونيسي علوي شهاب، فاكتسبت القمة بذلك بُعداً إسلامياً دعم بعدها العربي.

غاب عباس فحضر المقاومون

مع أنها كانت مخصصة لغزة، إلا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس آثر السير في فلك السياستين السعودية والمصرية وتخلف عن الحضور، وسط دهشة المتابعين وذهولهم، لكن القيادة القطرية سدت الفراغ مباشرة، وأرسلت طائرة خاصة إلى دمشق أقلت على متنها قادة الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من العاصمة السورية مقراً لها ليشاركوا في القمة، وهو ما شكل مفاجأة قوية وصفة أقوى لسياسة عباس الممالئة لسياسة القاهرة والرياض وعَمان على حساب توجهات الشارع الفلسطيني خاصة والعربي عامة، وكان حضور المقاومة هذا بمثابة إشارة تضامن ودعم قوية من القمة للمقاومة في غزة.

بذلك تمثلت قوى المقاومة في قمة غزة، وجلس إلى طاولة الاجتماع بجانب القادة والزعماء العرب كل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة أحمد جبريل، وعدد من قادة الفصائل الأخرى اللذين في الصف الثاني.

وكان لافتاً أن قطر التي نظمت القمة احترمت مكانة الرئيس عباس وتركت مقعده فارغاً ولم تعمد إلى إجلاس قادة المقاومة عليه بل خصصت لهم مكاناً مستقلاً.

المتخلفون عن قمة غزة يعجزون عن تنفيذ نقاطها

خرجت قمة غزة بنقاط هامة قررت عرضها على القمة الاقتصادية في الكويت التي انعقدت بعد ذلك بثلاثة أيام (19 كانون الثاني2009).

وكان أهم هذه النقاط: دعوة الدول العربية لتعليق المبادرة العربية للسلام التي أقرت في القمة العربية المنعقدة في بيروت عام 2002 ووقف كافة أشكال التطبيع بما فيها إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.

كما أكدت القمة على ضرورة الفتح الفوري والدائم لكافة المعابر المؤدية لقطاع غزة أمام الأفراد ومواد المساعدات الإنسانية، وضرورة رفع الحصار غير المشروع عن القطاع، ودعت لتشكيل جسر بحري لنقل مواد الإغاثة الإنسانية إلى غزة وإنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة.

ودعت القمة أيضاً الأطراف الفلسطينية إلى التوافق وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، كما طالبت إسرائيل بالوقف الفوري لجميع إشكال العدوان في قطاع غزة وبالانسحاب الفوري وغير المشروط والشامل لقوات الاحتلال.

أول الغيث قطرة .... من قطر

أولى نجاحات قمة غزة تمثل بدخول العرب مرحلة (قرن القول بالعمل) بعد عقود طويلة عاشوا خلالها على الخطابات الرنانة التي لا تساوي قيمة الورق المكتوبة عليه، فقد قررت قطر التي تربطها بإسرائيل علاقات تجارية تجميد هذه العلاقات وأغلقت مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في الدوحة، ودعت أعضائه إلى المغادرة، كما قررت موريتانيا التي تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل تجميد هذه العلاقات.

يرى المتابعون أنه ما كان لقرارات قمة غزة أن ترى النور وما كان لسقفها أن يكون مرتفعاً للحد الذي وصل إليه لو أن (عرب الاعتدال) المتخلفين عن حضروها حضروا، بسبب المعارضة الشديدة التي كانوا سيبدونها لأي توجه ينقلهم من محور الاعتدال إلى محور المقاومة والمانعة.

بدون شك، فإن محاربة بعض العرب لقمة غزة شكلت عاملاً إضافياً للشقاق العربي الذي بلغ مدى لم يصله من قبل، وهو ما شكل تحدياً كبيراً أمام قمة الكويت الاقتصادية التي انعقدت بحضور عربي رفيع المستوى ومشاركة واسعة.