أصبح الحديث عن مستوى التمثيل في القمة العربية جوهريا، على الأخص عند البحث في مسألة "التوافق" في البعد "الأمني"، فرغم أن القمم نادرا ما تبدل من المعطيات العربية أو الإقليمية، لكنها تعبر عن "رؤية" في نوعية المخاطر القادمة، وارتفاع مستوى التمثيل يعني على الأقل عدم التخبط في تحديد العدو، والملاحظ خلال العامين الماضيين أن الدعوات الطارئة فشلت رغم أنها كانت وسط حروب، بينما ارتفع التمثيل في القمم التي "أُعدت" على نار هادئة لطرح مشارع سياسية...

وقمة الدوحة رغم أنها حملت بعض البوادر بعد اجتماعات سبقتها أوحت بمناخ جديد، لكنها في النهاية تقف على عتبة "الافتراق" الاستراتيجي، وربما توضح أكثر من أي وقت مضى أن مسألة المعسكرات داخل العالم العربي هي أمر مرتبط بالأوضاع الإقليمية لكل دولة أكثر من توافقها على ما كان يعرف بـ"الأمن القومي"، فعدم المشاركة المصرية تشير أحيانا إلى أنها غضب من الدولة المضيفة، إلا أنها في نفس الوقت تنقل "رغبة" مصرية في إبقاء مساحاتها مغلقة، وعدم السماح بدخول عوامل إضافية، فالقاهرة متحفظة في شأنين:

الأول هو ما أشيع عن دعوة الرئيس الإيراني، وهذا الخطر بالنسبة إليها مرتبط بدورها داخل الساحة الفلسطينية أولا وأخيرا، وهو ما تبقى لها من نفوذ في محيطها الجغرافي بعد أن تجاوز البعد الدولي أي علاقة لها بالسودان أو حتى بإفريقيا ككل.

الثاني متعلق بما يطلق عليه المحور الثلاثي والذي يضم مصر والسعودية والسورية، فهي مقتنعة بأن عودتها إليه سيؤطر دورها الفلسطيني أيضا لأنه اعتراف بتعامل سوري مع الموضوع وهو ما تريد القاهرة إبعاده بشكل كامل.

فالخروج المصري اليوم يقدم صورة واحدة عن التعامل الإقليمي مع النظام السياسي العربي، وهو تعامل يتحول أحيانا إلى شروط تجاه الدول، وحتى إلى "مقاطعة" شبه كاملة كما حدث مع سورية بعد عام 2004، وإذا كان شكل النظام العربي مبني على "التآلف" بين الدول أكثر من موضوع التعاون، فإنه في نفس الوقت غير قادر على التعامل مع حالات دولية إقليمية تفرضها المستجدات مثل الدور التركي أو الإيراني الذي ظهر بوضوح بعد احتلال العراق.

عمليا فإن المساحات التي تبدو مغلقة أمام "القمة العربية" في الدوحة، هي في المقابل أوراق ضغط إقليمية تستخدمها الدول الموجود داخل الجامعة لممارسة سياساتها الإقليمية، والنموذج المصري هو الأوضح لأنه يمتلك الجغرافية والعلاقات الدبلوماسية مع العدو، وهو يقاطع القمة لكبح أي دور غير دوره الذي سيمارسه لاحقا بعد أن تخرج التوصيات إلى العلن...

ما يحدث اليوم سيفتح بابا أكبر نحو تجمعات إقليمية ربما تتجاوز العالم العربي، وهو ما حدث بالفعل خلال الأعوام السابقة في العلاقات السورية – التركية - على سبيل، أو في العلاقات الأمريكية – المصرية – السعودية، وفي كلا الحالتين كانت السياسة العربية تغرق في مساحة من المجهول بانتظار خلق فصل استراتيجي واضح...