في كل التنظيمات الدولية هناك "هيئة اعتباري" ربما تكون مختلفة عن الدول التي تشكل مثل هذا التنظيم، فالحديث عن حلف الناتو لن يكون مجرد عدد لمجموع أعضائه بل هو قبل كل شيء إرادة سياسية مختلفة تتوافق مصالحها مع الدول المنظمة، لكنه في نفس الوقت يحمل رؤية أوسع لهذه المصالح، لكن هذا الأمر لا ينطبق على "النظام العربي الرسمي" الذي هو بالفعل مجموع مركب لمصالح أعضائه الذين لا ينظرون لهذا النظام على أنه "ضابط استراتيجي" بل مجال نفوذ فقط على مساحة العالم العربي.

ورغم أن كل التشكيلات الدولية سعت إلى إنشائها قوة أكبر من الدول الأعضاء، لكنها في النهاية شكلت منظمات لها هوية واضحة تحمل طابع "المشاركة" الذي عندما يختفي يتراجع عمل المنظمة الدولية كما حدث ويحث لهيئة الأمم المتحدة، ولكن في النهاية هناك حدود نيا تبقى متوفرة، وهو الشأن الغائب دائما عن "النظام العربي" الذي على ما يبدو يرى في "التحولات" الدولية نقطة في النظام العالمي يمكن تجاوزها بسهولة، وهو ما يجعل التحركات العربية بما فيها الجهود المبذولة للمصالحة دائرة مغلقة في زمن تسعى كل الهيئات الدولية لإعادة هيكلة ذاتها.

ما يحدث في العالم اليوم يشبه كابوسا بالنسبة للنظام العربي، لأنه مؤشر على التكوينات الدولية يمكن أن تتبدل بشكل جذري نتيجة الأزمة المالية العالمية وعدم الاتفاق الاستراتيجي حول مصير هذه الأزمة ونتائجها السياسية، فالدعوة الأمريكية التي أطلقها أوباما لإنهاء الأسلحة النووية هي مقدمة أولى لنوعية التفكير السياسي الذي أعاد رسم القوة من جديد، ووضعها في إطار آخر يحاول تحديد "عدو" لم تعد تجردي معه الأسلحة النووية، كما ان السلم العالمي يبدو اليوم أعقد من ضبطه عبر "التوازن النووي".

ضمن هذه الصورة يعود "النظام العربي" لرسم موقعه داخل العالم، وإذا كانت السعودية "مثلت العرب" في قمة العشرين، فإنها أيضا أظهرت شكل التناقض بين ما يجري في العالم وسكونية ما يحدث داخل العالم العربي، فهذه القمة التي أرادت "إدارة العالم" بشكل جديد بقيت حدثا إعلاميا على الفضائيات العربية، وربما استمرت دون ردود فعل على صعيد المجتمعات التي لا تجد أشكال تعبير عن نفسها، أو ربما فاتتها مرحل الدخول في الثقافة الخاصة بحداثة المجتمعات وتطورها، وهو ما يجعل "النظام العربي" أكثر من مرتاح لواقع "جغرافيته السياسية" التي فقدت عوامل التحرك أو التأثير.

بالطبع ليس هناك "تفاصيل" أو "معلومات" عن التفكير العربي أو أوراق عمله لمواجهة ما يجري عالميا، لكننا على الأقل من خبرتنا بالقمم العربي فربما ندرك أن المسألة ستبقى مرتبطة بـ"حيوية اجتماعية" مذبوحة بقدرة النظام العربي على امتصاص الأزمات وتحويلها لقضايا متشعبة تحمل مصطلحات "المصالحة" و "التسوية" و "إعمار غزة" و "المانحين"، وغيرها من التحركات السياسية التي تنتهي عند نقطة السكون الاجتماعي رغم زخم الحركة السياسية.