لا تبدو الأحداث متشابهة داخل المشهد السوري رغم أن الآليات مستمرة، وحتى "الخطاب" لم يختلف منذ بداية عهد بوش وصولا إلى ظهور الرئيس أوباما، فما يطلق عليه "الانفتاح" على دمشق يبقى "مسارا سياسيا" خارجيا، يخضع لتفسير المحللين أو استشرافات الخبراء حول مستقبل "عمليات سياسية" تبدو أكثر من مستهلكة، لكن الساحة السورية بقدر انفعالها بالخارج هي أيضا تخضع للتحول الداخلي مهما بدا "سطحيا" أو حتى مهمشا، فعندما يعلن "الإخوان المسلمون" انسحابهم من ما يسمى "جبهة الخلاص"، فإن هذا الأمر يعني أن المعادلة تجاه الداخل السوري تبدلت كليا، على الأخص أن الاستراتيجيات الدولية تم توجيهها إلى الداخل السوري على امتداد سبع سنوات، وكان الرهان حتى عند بعض الأطراف الإقليمية على إمكانية اختراق هذا "الداخل" بالتوازي مع كافة الضغوط.

ما يظهر اليوم وربما بالمصادفة مع ذكرى تأسيس حزب البعث هو "تهميش" عامل "الاختراق"، فرغم أن أي مواطن سوري يعرف أن "جبهة الخلاص" لا تملك مساحة واقعية داخل وطنه، لكنها بالنسبة له مؤشر حول التأثيرات المتبادلة ما بين السياسة الخارجية والداخلية، فجبهة الخلاص جمعت المتناقضات على نقط ارتكاز واحدة مرتبطة بالتأثير على "المجتمع السوري"، وأي متتبع للإنترنيت أو الفضائيات يدرك حجم المساحة التي أتيحت سابقا لها كي تروج لنفسها داخل المجتمع.

السؤال اليوم لا يتعلق بـ"الإخوان المسلمين"، ودلالات انسحابهم لأنها نتيجة منطقية لتحالف "مركب" لا يحمل أي عمق "معارض" بل محاولة لإرباك السياسة السورية وحتى المجتمع، فما حدث يشير إلى نقطة غامضة هي خارج هذه "الجبهة" ومتعلقة بالمشهد السوري المرتقب بعد ثماني سنوات من الضغوط والحروب والتهديدات، فحتى لو افترضنا أن هناك زمن "استيعاب" للوضع السوري، لكنه في المقابل سيحمل رؤية على الصيغة القائمة والمرتقبة للمجتمع تجاه مسائله الداخلية.

بالطبع فإن البنود القديمة التي كان يطرحها بعض النشطاء لم تعد صالحة اليوم للاستهلاك الداخلي، لأنها لا تتواقف مع "الخطاب الدولي" المتجه نحو الهدوء، وهي في نفس الوقت ستغيب مع عدم وجود مشروع سياسي عام للمنطقة كلها، وربما من المفترض أن يدفع الأمر الجميع سواء في الجانب السياسي الرسمي أو في المساحات التي أضيفت لاحقا داخل الجبهة الوطنية التقدمية أو خارجها على التفكير بهذا "المشهد" الذي يبدو انه يمتلك ثباتا لا يساعد أحيانا على تحقيق ارتقاء بمصالح المواطن، وذلك بغض النظر عن كل ما يقال "سياسيا".

قلق المواطن اليوم لم يعد مرتبطا بنوعية "الضغوط أو الاضطراب التي بشر بها "منشقون" أو خصوم سياسيون على شاشات التلفزة، لأنه ربما ينظر إلى العلاقة بين "الانفراج" الخارجي ونوعية حياته....