في لحظات الفراغ أو الانتظار السياسي تنتعش المؤتمرات، ربما لأنها تعبر عن الرغبة في التواصل والعلاقات العامة، او حتى لتأكيد على ان المساحات الناقصة في العلاقات السياسية يمكن تعويضها بـ"حدث" عام يريد جذب الانتباه، وإذا كانت المؤتمرات في الآلية الدولية تسعى لتجميع المشاكل فإننا على ما يبدو ننظمها لصياغة صورة الأزمات كما نريدها، ولرسم صورة خاصة بأن أي أزمة هي من طبيعة حياتنا ويمكن ان تستمر.
وربما تبدو العلاقات السورية - اللبنانية مجالا خصبا لمثل هذه المؤتمرات، وعلى الخص أن الارتجاج السياسي الذي حصل منذ أربع سنوات مازال يتفاعل رغم كل الإجراءات التي اتخذتها البلدان، فالمؤتمرات العلمية يمكن أحيانا أن تضع إطار الأزمات وتطرح أفقا لحلها إذا كانت تبحث فعلا عن مساحة جديدة غير موضوع العلاقات العامة الذي على ما يبدو أصبح "نقمة" مستمرة على حياتنا، فما بين سورية ولبنا في النهاية يمكن أن يدخل في أروقة المؤتمرات، لكنه في نفس الوقت مسألة تخضع لشروط "التحول" المقبولة من المجتمعين بالدرجة الأولى مهما كان تاريخ البلدين يعبر عن مراحل مفصلية وهامة تربط بينهما.
عمليا فإن جمهور المؤتمرات يبقى على حاله، أو هذا على الأقل ما توحي به آلياتها المستمرة منذ أن ابتدعنا طريقة "المهرجانات" الفكرية، فالباحثون يمكن أن يتلاقوا في أروقة الجامعات دون الحاجة لعمليات الحشد الإعلامي أو السياسي، طالما ان وجهات نظر ستبدأ وتنتهي في عقول المجتمعين، وطالما اننا مقتنعون بنتائج المشاورات التي تريد تقديم توصيات ونقاط ارتكاز او بحث في العلاقة، بينما تتباعد آليات التفكير الاجتماعية الخاضعة أصلا للحملات الإعلامية الموجهة من الطرفين، فالحالة الطبيعية هي عزل المساحة السياسية الضيقة عن الفعل الاجتماعي، وهو امر غير ممكن في اللحظة الحالية، وهو ما يجعل المؤتمرات ساحة موجهة إما لخارج البلدين أو محصورة داخل إطار المدعوين لحضور المناسبات.
المؤتمرات إنجاز لا يخلق رأيا عاما قادرا على خلق تحول اجتماعي بالدرجة الأولى، لأنها مؤتمرات للنخب التي تقف خارج مساحة الفعل الحقيقي، وهي أيضا بقع ضوء منتشر للتركيز على الاهتمام السياسي، في وقت لا توجد أي منظمات اهليه قادرة على تفعيل مثل هذا المؤتمرات أو المناسبات او حتى التوصيات، فحتى على المستوى الفكري ربما يكون الحدث أقوى لو أن الجهات الأكاديمية هي التي تعاملت مع مثل هذه المناسبات أو أعادة صياغتها بشكل يدعم مصالح الناس، بدلا من طريقة الحشد الإعلامي والسياسي و.... الفكري....