اقتباس لا بد منه عند قراءة التصريحات الأمريكية، أو حتى الأوروبية تجاه المنطقة، وربما أنستنا حقبة الرئيس جورج بوش هذه النوعية من الحديث الدبلوماسي، الذي يبقي سقف المطالب لكنه يتحرك في مسار يحاول فيها تجنب المواجهة مع الأزمات، فإذا كانت الولايات المتحدة بالفعل تريد تجميد الأزمات، فإنها في نفس الوقت تملك سياسة علاقات عامة تتحرك على حدود الأزمة، فلا تضطر إلى توجيه كلام واضح، بل على العكس فإنها تذكرنا بالروايات الطويلة أو المسلسلات التركية الرائجة هذه الأيام، حيث يصبح الصراع فيها وكأنه صمت كامل، تتفاعل خلفه القضايا العالقة.

ربما كانت كل التحليلات السابقة صحيحة حول سياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط، وأنها ستعتمد على برغماتية جديدة، لكنها تبدو أنها تتعامل على تفكيك الأزمات الهامشية مثل آلية المفاوضات حول الملف إيران النووي، وأساليب الحديث حول الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وحتى في مجال "التفاوض" أو السلام فهي أيضا تتعامل مع "الأطراف الإضافية" مثل الدور التركي على سبيل المثال وليس مع مسألة التسوية، وهذا الأمر يحمل مؤشرين:

الأول أنها بالفعل تملك أولويات وأجندة لا يحتل الشرق الأوسط فيها مساحة هامة، ولذلك فهي تريد التعامل مع أزمات أخرى تعصف ببنيتها الداخلية وعلى الأخص الأزمة المالية، ولكننا هنا سنجد أن التشابك ربما يشكل معيار النجاح، فهي لن تستطيع التعامل مع كوريا دون النظر إلى طهران، لأن الدولتين وحسب تعبيرها يدخلان في مجال النادي النووي "غير الشرعي"، وبالتالي فعد التجاوب الذي تبديه "بيانغ يونغ" لن يساعدها في حوارها القادم مع طهران، وهذا الأمر ينطبق على تلازم الملفين العراق والفلسطيني وحتى اللبناني، لأن الأطراف الضاغطة على ما يبدو هي نفسها في الأزمتين.

الثاني أن تفكيك الأزمات الهامشية ربما يساعد على تخفيف التوتر، ويشكل مقدمة للعودة من جديد إلى حلول نهائية، ومن المستبعد في ظل ظل التناقض القوي بين أطراف الأزمات أن تساعد هذه الإستراتيجية على إيجاد مخارج، على الأخص أن الولايات المتحدة تحاول عدم التدخل في المسارات التي ظهرت مثل "المصالحة العربية" أو "التوتر" الذي يظهر اليوم من قبل مصر تجاه أحزاب وحتى قوى إقليمية، وهي أيضا تتجاهل أن عمليات "الحشد" ضد إيران مستمرة عبر أطراف بعيدة لا علاقة لها بالشأن الخليجي مثل مصر والمغرب، وهو امر يفسر على انها محاولة لإعادة تقسيم العداء لطهران من جديد للضغط على المنطقة.

"الكلام الناعم" الذي يصدر من الولايات المتحدة على لسان ميتشل على سبيل المثال وهو في المغرب عن حل الدولتين لا يتوقف للحظة عند وحه ليبرمان الذي يدير السياسة الخارجية لدولة لـ"إسرائيل" لذلك فهو يبقى مجرد موجة علاقات عابرة في ظل عمليات التأجيل المتبعة على المستوى الدولي لمعظم الأزمات.