أعشق هذه النافذة، وانعكاس صورتي على الزجاج الذي يجعلني غارقة بعيدا عن التفاصيل، فيصبح جسدي مثل لون مرشوق على مساحة واحدة، أو أنتهي عند حدود انكسار الضوء فأشاهد نفسي وكأني لوحة جدارية يتأملها المارون، ثم يتذكرون الألوان التي توحي بجسد أنثى، أو بشبقها وعشقها ومعانقتها للحياة...

عشق النافذة انعكاس للحياة المرسومة من خلفها، فعندما يرفع أحد ناظره سيبدأ بتخيل القصص المرسومة خلفها، أو حتى برسم رواية كاملة عني، رغم انه لا يعرفني، فالنافذة هي التي تتحدث عن المثل الدمشقي "البيوت أسرار"... هي بالفعل أسرار لمن يعيشون بها ويتركونها في أسرتهم او بين حنايا الغرف أو حتى على حيطان المنزل، فأسرار البيت هي أجمل ما فيه: تحمل ضحكات الإناث، وتأوهات اللحظات الحميمة، وتحمل الخلافات الصغيرة التي غالبا ما تنتهي بعناق يضفي رعشة على البيت...

نافذتي تكشف مساحة المدينة أمامي، ونادرا ما أغلقها، لكنني عندما أفعل فلأشاهد صورتي على الزجاج المحجر، وأغرق في الغزل الرقيق بجسد الأنثى الذي لا يحمل سوى الفرح لي ولكل من يحاول أن يسترق النظر، فيجد أنني لا أقطر أنوثة وشيقا، بل أيضا رغبة في رسم الحياة على وجوه من أحب...

منذ ان أصبحت النوافذ ضيقة بدأت حريتي تأخذ شكل قزما من الروايات القديمة، لكنني بقيت مغرمة بالزجاج الملون الذي يعيد رسم كل التفاصيل على شاكلته، واستغرب لماذا نعشق النوافذ الملساء والمرايا التي تعطينا صورة طبق الأصل، لكنني أبقى مقتنعة أن الخيالات من وراء الزجاج أكثر إثارة، وربما تحريضا على الكتابة والإبداع، وعلى جعل الخيال رشيقا وقادرا على القفز فوق الخطوط المستقيمة التي تضعها الحياة.

أتخيل أن العالم، رغم مؤتمرات مناهضة العنصرية، قادر على تحمل الجمال وإعادة صياغة أحزانه داخل نفس مراهقة اكتشفت أنها مغرمة، أو دخلت لأول مرة تجربة تلامس فريدة مع يد تحضنها وتطلقها في رحلة نحو النجوم، عندما يصبح العالم مختلفا، وتتحول المسافات الكونية إلى لون وردي ربما يسحب منا ذاكرة الحروب، أو يجعلنا قادرين على جعل "المآسي" وساما لقدرتنا رسم الحياة من جديد على مساحة النوافذ المفتوحة أو زجاجها المكسر الذي يجعل الضوء يحاكي جسد امرأة تتباهي بقدرتها على خطف الأبضار...

هواجس من خلف النافذة.. من وراء الحجاب الذي يبقى أثيريا رغم أن كلمة أثير سقطت من مصطلحات علم الفلك، لكنها تبقى محببة لقلبي لأنها تحمل كل غموض الكون أو الأنثى أو الأرض التي تخترق نافذتي كلما حاولت استراق النظر إلى حدث أو صوت أو حتى صورة تطل عليا من فضاء العالم المشوش.