لا يمكن ان نهرب من الترابط بين الاتهامات المصرية لحزب الله والحدث العراقي الجديد، فصحيح أن العنف لم يتوقف في العراق، وأزمته عالقة ما بين القوى التي تركها الاحتلال دون توازن، ولكن نوعية العمليات الجديدة، واستهدافها لحالة "مذهبية"، إضافة لتصريحات بان كي مون الأخيرة تعليقا على تطبيق القرار 1559، تفتح الكثير من إشارات الاستفهام حول التحول الجديد، فهناك حالة سياسية عامة في مرحلة "الهدوء" الأمريكي، ربما تستهدف في النهاية خلط أي مسعى لبناء التوازن، فما يحدث في العراق لم يعد شأنا مرتبطا فقط بالتفاعلات داخله، طالما ان جبهته مفتوحة على كل أزمات الشرق الأوسط.
بالطبع فإن العودة للحالة المذهبية ليس شأنا مستحدثا، لكنه على ما يبدو ورقة ضغط مع اعتماد الولايات على نفس آلية تقرير بيكر - هاملتون الذي يستند إلى التعاون مع دول الجوار، لكن هذه السياسة التي لم تبدأ بشكل واضح تخضع اليوم لاختبارات التحكم بالقوى الإقليمية، وهو ما يفهم من مسألة إقحام مصر في مسائل مختلفة بعد رفضها عملية المصالحة العربية، وإذا كان البعض فهم من اتهامات مصر لحزب الله ثأرا شخصيا فإن الأمر على ما يبدو أكبر من ذلك لأنه يعتمد على أمرين:
تحريك مصر باتجاه العودة إلى معالجة الوضع العراقي كعامل إضافي رغم أنها ليست من دول الجوار، وهي كانت حاضرة دائما في المؤتمرات الخاصة بالعراق، وهذا التحريك يبدو أنه بديل عن "التحرك العربي"، الغائب أساسا نتيجة الفشل في خلق سياسات منسقة تجاه كافة الأزمات، فمصر عندما هاجمت حزب الله فإن الأمر كان حملة موسعة طالت إيران، ويبدو أنها نشطة أيضا داخل لبنان قبيل الانتخابات.
مسألة "التحكم بالقوى" الإقليمية تفرضها إستراتيجية الولايات المتحدة في تجميد الأزمات، حيث لا يمكن الحد من نشاط الدول الإقليمية دون خلق حالة إرباك لها، وهو ما يجعل التفجيرات في العراق نوعا من خلط الأوراق او تلويح بالعودة إلى المسائل المذهبية على مستوى المنطقة وليس العراق.
عمليا فإن الصراع الدائر لا يطال العراق كونها ساحة مفتوحة، بل هو أيضا إعادة تشكيل الأدوار من جديد، وما يحدث ربما يذكرنا بالدور المصري خلال حرب أفغانستان، والمشاورات التي أجراها بريجنسكي مع الرئيس المصري أنور السادات قبل عملية الدعم للقوى الأفغانية التي تمت عبر اتفاقات استخباراتية، فالعنف الجديد في العراق يجري على مساحة مجهولة والأنباء مشوشة حول اعتقال أحد القياديين أو ربما زعيم "دولة العراق الإسلامية"، ومن يعرف توزع الجماعات الإسلامية في العراق يدرك سريعا التداخل ما بينها وبين كافة الأجهزة هناك، وبمعنى آخر فإن التحرك الذي بدأ ضد الصحوات وانتهى بعنف متزايد ليس وليد الصدفة بل مرتبط بالأدوار التي يمكن أن تبدأ بالتشكل من جديد قبل أن يلتئم أي مؤتمر جديد حول هذه الدولة "المنكوبة"