البعض يهوى الكتابة على الهواء، أو رسم صور باستخدام مساحيق التجميل، ثم يعود ليصور الحياة على شاكلة حياته الافتراضية، لكن الحياة عندما تشرق تذوب كل المساحات التي رسمناها ونحن مقتنعون بأن الزيف كان "سيد الأخلاق"، فما يمكن أن نضعه اليوم لن يصبح تراثا في المستقبل هو مجرد علامة أخرى بأن من يستطيع الوقوف في زمن القحط وحده القادر على كتابة الحاضر، أو ربما جعل المستقبل على شكل فراشة.
مساحة الحياة اليوم لا تتيح لأي أنثى أن تعيد رسم نفسها وهي واقفة، أو جالسة أو حتى تمارس عشقها على شاكلة التفاف الأزهار، وقدرة الألوان على الاختلاط، لأن هناك "قعر" الحرية الذي نقف فيه وكأننا وصلنا إلى ما نريد، وربما ننسى بأن الحرية ليست مسطحة وفي نفس الوقت ليست مقعرة، ولا يمكن أن نلتصق بها لمجرد قناعتنا بأن الحياة تسير وأن "عطايا" الآخرين قادرة على جعلنا أحرارا.. إنها ليست قضية أنثى بل فهم المواطنة على أنها رغبة في الانطلاق وليس في تحصيل موارد أكثر أو التنعم براتب تقاعدي في زمن تجف فيه العظام..
وعندما يتم الإعلان عن "قناة فضائية" جديدة لـ"المعارضة" أدرك أن المسألة لا تتعلق بتكوين المواطن أو الوطن، ولا في إعادة رسم الجغرافية المشتركة للذكور والإناث، بل في كتابة تاريخ جديد على شاكلة الرغبات الخاصة لمجموعة تكبر وتصغر بينما نقف أمام الشاشات مذهولين من القدرة على تحريك الفضائيات، في وقت لا تتحرك فيه المشاعر لقدوم الربيع أو لانتهاء الشتاء أو حتى لرحيل الطائرات من سماء غزة التي أصبحت مقاطعة لـ"القراصنة" يراقبها الجميع بحذر.
الإعلام اليوم هو كتابة على الهواء... محاولة لرسمنا من جديد بهلام يتحول كلما اهتز الحدث، أو تطايرت رغبات الآخرين نحونا، فتنهار الجدران المعلقة أو حتى يظهر "العهر" الأدبي فجأة بحجة الموضوعية أو بدعوى الدخول نحو مصطلح حديث ربما لا يعرفه أحد لكنه على الأقل ابتكار يمكن أن يجعل الضوء منحرفا باتجاه المجهول، فالكتابة على الهواء لا تحمل سوى احتمال واحد يرتبط بالقدرة على "شخصنة" ما يجري، وهي ليست اختصاص لفئة أو مجموعة تتواجد أحيانا خارج مساحة الوطن، بل أيضا تجريد يمتد من اليمين إلى اليسار ومن الجهل إلى تلبس المعرفة، والضحية الأخيرة هي المساحة المشرقة عند الأنثى والإرادة المكتوبة على جسد الرجل وتفاصيل الوطن المغروسة في الذاكرة...
زمن الكتابة على الهواء لن يرحل.. ربما سيلازمنا طويلا، ويرافقنا إلى كل التفاصيل التي تغلفنا، لكن النهاية هي في الحروف التي تتجمع صدفة في المستقبل أو الغد فتنسي الجميع "لغة" المواربة أو المعارضة أو استنساخ الخطاب الرسمي مهما كانت جهته.. فهذا رهان على الغد